متابعة: نازك عيسى
الموت حقيقة حتمية لا مفر منها، لكن الباحثين في مجال الصحة يسعون لإيجاد طرق لإرجائه لأطول فترة ممكنة. أحدث هذه الطرق هي الامتنان، والذي يتميز بكونه مجانيًا، غير مؤلم، وذو مذاق نفسي لطيف. وأظهرت دراسة جديدة شملت نحو 50 ألف سيدة بالغة أن مشاعر الامتنان القوية ترتبط بانخفاض احتمالية الوفاة خلال الثلاث سنوات التالية.
أشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يميلون بطبيعتهم إلى الامتنان سوف يرحبون بهذه النتائج، بينما يمكن للأشخاص الذين لا يميلون لذلك أن يعززوا شعورهم بالامتنان مع الممارسة ويجنيوا فوائد طول العمر. قال جويل وونج، أستاذ الإرشاد النفسي في جامعة إنديانا، الذي لم يشارك في الدراسة: “إنها دراسة مثيرة”.
أظهرت أدلة متزايدة أن الامتنان يرتبط بعدة فوائد للصحة العقلية والبدنية. الأشخاص الذين يسجلون درجات أعلى على مقاييس الامتنان يتمتعون بمؤشرات صحية أفضل لوظائف القلب والأوعية الدموية، التهابات الجهاز المناعي، ومستويات الكوليسترول. كما أنهم يميلون لتناول أدويتهم وممارسة الرياضة بانتظام، ويتبعون عادات نوم صحية ونظام غذائي متوازن.
يرتبط الامتنان بانخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب، بدعم اجتماعي أفضل، وبوجود هدف أكبر في الحياة، وكل هذه الأمور تساهم في طول العمر. ولأول مرة، ربط الباحثون مباشرة بين الامتنان وانخفاض خطر الوفاة المبكرة، حسبما قال وونج وآخرون.
قال وونج: “ليس الأمر مفاجئًا، ولكن من الجيد دائمًا أن نرى بحثًا تجريبيًا يدعم فكرة أن الامتنان ليس فقط جيدًا للصحة العقلية ولكنه جيد أيضًا للعيش لفترة أطول”.
أعربت ينغ تشين، كبيرة واضعي الدراسة، والعالمة الباحثة التجريبية في برنامج “هيومن فلورشينغ” في جامعة هارفارد، عن دهشتها لندرة الدراسات التي تربط بين الامتنان والوفاة. استخدمت هي وزملاؤها بيانات من دراسة صحة الممرضات، التي ترصد صحة وعادات الآلاف من النساء الأمريكيات منذ عام 1976.
خلال عام 2016، شملت الدراسة اختبارًا لقياس شعور الممرضات بالامتنان. طُلب منهن استخدام مقياس مؤلف من سبع نقاط لتحديد درجة موافقتهن على ستة أقوال، منها “لدي الكثير في الحياة الذي أشعر بالامتنان تجاهه”. قدمت 49 ألفًا و275 ممرضة إجاباتهن، وقسم الباحثون الإجابات إلى ثلاث مجموعات بناءً على درجات الامتنان.
أظهرت النتائج أن الممرضات اللاتي سجّلن أعلى درجات الامتنان كانت لديهن فرص أقل للوفاة بنسبة 29% مقارنة باللاتي سجّلن أقل درجات. وبعد مراعاة عدة عوامل صحية واجتماعية، انخفضت هذه النسبة إلى 27%. وعند النظر في تأثيرات التدخين، والتمارين الرياضية، والنظام الغذائي، انخفضت النسبة إلى 21%. حتى بعد مراعاة مقاييس الوظيفة المعرفية والصحة العقلية، كانت نسبة وفاة الأكثر امتنانًا أقل بنسبة 9%.
نشرت نتائج الدراسة في دورية جاما للطب النفسي. وعلى الرغم من أن الدراسة أظهرت علاقة واضحة بين الامتنان وطول العمر، فإن ذلك لا يثبت أن أحدهما يسبب الآخر. من الممكن أن يؤدي التمتع بصحة جيدة للشعور بالامتنان، أو أن العاملين يتأثران بعامل ثالث لم تتضمنه الدراسة.
أشار فريق هارفارد إلى أن الامتنان يمكن أن يكون له سلبيات في حال ارتبط بشعور الشخص أنه مدين لغيره، مما قد يقوض شعور المرء بالاستقلالية. قالت سونغا ليبوميرسكي، الباحثة في علم النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا ريفيرسيد، إن الشعور بالمديونية يمكن أن يجعل الشخص يشعر بأنه عبء على الآخرين، وهو أمر خطير لمن يعانون من الاكتئاب.
أظهرت التجارب السريرية أنه يمكن تعزيز الامتنان من خلال خطوات بسيطة مثل الاحتفاظ بمفكرة لكتابة الأمور التي تشعر بالامتنان نحوها أو كتابة خطاب شكر وتسليمه يدًا بيد. وأضافت ليبوميرسكي: “الامتنان مهارة يمكن بناؤها”.
