يتجدد موسم أصيلة الثقافي الدولي هذا العام، معلنًا شعلة التفاؤل بالاستمرارية والتطور بطاقات شابة، تواصل مسيرة الثقافة والتنمية. فقد انطلقت في مدينة أصيلة شمال المغرب، مساء أول من أمس، فعاليات الدورة الـ 41 لموسم أصيلة الثقافي الدولي، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، في حفل رسمي بمكتبة الأمير بندر بن سلطان بالمدينة، بحضور نخبة من السياسيين والمفكرين والأكاديميين والمبدعين من المغرب ودول عربية وأجنبية عدة.
وأفادت مؤسسة منتدى أصيلة التي تنظم هذا الحدث الثقافي، أن الفعاليات بدأت فعليًا في السادس عشر من الشهر الجاري بورشات الصباغة والجداريات على جاري العادة في كل موسم.
وفي بداية حفل الافتتاح، ألقى محمد بن عيسى أمين عام منتدى أصيلة، كلمة رحب فيها بضيوف الموسم القادمين من أقطار عديدة، وكذلك بالشخصيات الذين توافدوا من أنحاء مختلفة من المملكة المغربية، وقال: “أحاول استعادة الفرح الذي غمرنا، ونحن نُطلق موسم أصيلة الثقافي الأول منذ أكثر من أربعة عقود، مرت زاخرة بأحداث وتحولات عميقة تركت فينا أثرا لا يمحى. وفي العام الماضي، وأثناء حفل اختتام الدورة الأربعين، عبَّرتُ عن تخوف مشروع: أننا قد لا نتمكن من تنظيم الدورة التالية. كما أني قدرت أن الوقت قد حان ليحمل المشعل جيل جديد من شباب مدينتنا”.
وأضاف: “لم أتوقع حجم التعاطف وأشكال الدعم التلقائي والطوعي للاستمرار، استعداداتٌ أعرب عنها أفاضل كثيرون من داخل وخارج الوطن”.
وفي مقدمة وطليعة الكرام، مثلما عودنا دائما، عاهلنا الهمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، جلالته آزرنا وشملنا برعايته السامية، كما ذلل صعوبات واجهتنا، وحفزنا في سائر المحطات بطاقة متجددة، وإن أصيلة، مثل سائر ربوع المملكة المغربية، لمَدِينَة لجلالته بما أسبغه عليها من عطف ورعاية.
وأكد بن عيسى في كلمته بأن حصيلة المشاريع الثقافية الرائدة لا تُحتسب بالأرقام والمعطيات الكمية فحسب؛ فالنتائج قد تتأخر لغاية نُضجها الكامل، لتتبلور بصور جلية في مشاريع مماثلة تنعكس على سكان مدينتنا وتساهم في إبراز صورة المغرب الناهض ودوره في ترسيخ أسس الحوار المثمر والتفاهم والتعاون فيما بين النخب والثقافات من مختلف أنحاء العالم.
وتابع قائلًا “أصيلة صارت مؤسسة ضمن النسيج الجمعوي الوطني العام، ومؤَسِّسة لفعل ثقافي نوعي، في أهدافه وغاياته: عبر تقوية أواصر المعرفة وتوظيف الإبداع، وذلك بتوفير أرضية في بلدنا العربي- الأفريقي للتعارف والتبادل بين النخب شمالاً وجنوباً، شرقا وغرباً. كما أنَّنا وظفنا العمل الثقافي لتحقيق التنمية المحلية، ما يضمن موردا يحسِّن نوعية حياة الناس، ويساهم في تغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وهذا التحول واضح لمن عرفوا أصيلة في ماضيها وحاضرها، وتتوفر المدينة الآن، على هياكل ثقافية أساسية، ومنصات مجهزة للإنتاج والاستهلاك الثقافي، وكلها تحتضن منذ تشغيلها أنشطة وتظاهرات على مدى السنة”.
ورأى بن عيسى في كلمته أن الاستثمار في الحقل الثقافي والمجال الفني، هو أداة ناجعة لتحسين الصورة المميزة للإنسان العربي والإفريقي، وإنسان عالَم الجنوب عموماً، وأشار إلى أن تجربة أصيلة رائدة بخصوص التوظيف الأمثل للمورد الثقافي والإبداعي، محليًا ووطنيًا.
وأثنى بن عيسى على الحضور الوارف لقامات سامقة من المفكرين والباحثين والعلماء والمبدعين وكذلك أسماء وازنة من الإعلاميين، الذين ساهموا بقدر كبير في صنع علامة أصيلة الثقافية وحققوا لها الانتشار والذيوع، خارج نطاق الحدود.
وفي كلمته خلال الحفل، اعتبر وزير الثقافة والاتصال المغربي محمد الأعرج أن هذه التظاهرة العريقة تستمد إشعاعها من تعاطيها المستمر مع القضايا الكبرى التي تواصل طرح تحدياتها على المستويات الوطنية والدولية. وأكد أن الوزارة لم تتردد في اعتماد شراكة تنظيمية مع المنتدى لضمان استمرار وإشعاع هذا المنبر الفكري الذي يجعل مدينة أصيلة كل سنة فضاء للتداول.
ونوه ببرنامج الدورة الـ34 لجامعة المعتمد بن عباد الصيفية التي ستناقش قضايا الديمقراطية وغيرها، موضحاً أن هذا البرنامج سيجعل من أصيلة، طيلة أيام الموسم، فضاء نابضاً بالحركة الثقافية وبفضائل الحوار والتبادل الفكري البنّاء.
من جانبها، أكدت كاتب الدولة لدى وزير الخارجية والتعـــاون الدولي، مونية بوستة، أن موسم أصيلة الثــقافي يعد من بين التظـــاهرات الدولية المتميزة التي تجـــمع بيـــن الفكر والفلسفة والفنون والموسيقى والأدب في فضاء واحد.
وأضافت أن هذا الموسم الثقافي يسهم منذ 41 سنة في تحقيق إنجازات تنموية وبيئية وسياحية وثقافية بمدينة أصيلة، مبرزةً أن هذه الإنـــجازات تندرج في سياق جهد جماعي أفضى إلى تأهيل العديد من البنيات التحتية والمؤسسات الثقافية والتربوية للمدينة.
وكانت مؤسسة منتدى أصيلة أعلنت في برنامج الموسم لهذا العام، أن جامعة المعتمد بن عباد الصيفية ستستضيف في إطار دورتها الرابعة والثلاثين ضمن موسم أصيلة، مجموعة من الندوات والاجتماعات الفكرية والعلمية والإبداعية. وأوضحت بأن برنامج الجامعة الصيفية سيضم العديد من الأنشطة، بما في ذلك سلسلة من الندوات حملت عناوين “العبء غير المحتمل للديمقراطية.. أي طريق إلى الخلاص؟”، و”التنمية المستدامة والإكراهات في بلدان نصف الكرة الجنوبي”، و”التماسك الاجتماعي والتنوع في أنظمة التعليم العربية”، و”الشعر العربي في سياق مشهد ثقافي متحول”، و”الإبداع الإفريقي في إفريقيا وفي المهجر”.
ويشهد موسم أصيلة هذا العام ورشات في الفن بمشاركة رسامين ونحاتين من المغرب، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، وساحل العاج، وغانا، وفرنسا، والبحرين، والعراق، والأرجنتين، وتونس، وإسبانيا، وإيطاليا، واليابان والأرجنتين.
كما سيستضيف الموسم مجموعات من الموسيقيين والمغنين من المغرب، وفرنسا، وإسبانيا، والسنغال ومالي، وغانا، وأنغولا، والرأس الأخضر.
ويتميز الموسم في دورته الحالية بإقامة ورشات “فضاء للرسم للأطفال”، و”الكتابة والإبداع لفائدة ال أطفال”، و”رسم الجداريات” التي ستشهد مشاركة فنانين من المغرب والمملكة العربية السعودية، علاوة على “جداريات الموسم” بمساهمة مجموعة من الأطفال.
وفي سياق البرنامج المتنوع للدورة الجديدة من موسم أصيلة، يستضيف مركز الحسن الثاني للملتقيات، للمرة الأولى، معرضا لأعمال الفنانين الأفارقة الذين شاركوا في ورشة الفنون لمدة 40 عاماً، أي منذ انطلاق الموسم في سنة 1978.
بينما سيحتضن جناح آخر للمركز معرضًا مخصصًا للدورة الثالثة من “ربيعيات”، ربيع أصيلة 2019، والذي سيتضمن أعمال فنانين يشاركون في ورشة “ربيعيات الفنون”، التي تنظم خلال شهر أبريل سنويًا.
أما “فضاء المعارض” في قصر الثقافة -الديوان- فيستضيف بين جنباته معرضًا خاصًا سيتم تكريسه للفنانين الشباب أبناء أصيلة، بالإضافة إلى معرض للأعمال الفنية من إبداع “أطفال الموسم”.