متابعة: نازك عيسى
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، بشأن السيطرة على جزيرة جرينلاند موجة من الجدل وردود الفعل الغاضبة على المستوى الدولي. ففي مؤتمر صحفي عقده يوم الثلاثاء، ألمح ترامب إلى إمكانية اللجوء إلى القوة لتحقيق أهدافه، لكنه عاد وأكد اهتمامه بشراء الجزيرة، مهدداً بفرض رسوم جمركية على الدنمارك في حال رفضت العرض.
من جانبها، رفضت الدنمارك بشكل قاطع فكرة بيع جزيرة جرينلاند، حيث قال رئيس وزراء جرينلاند، ميوت إيجيدي: “لسنا للبيع ولن نكون أبداً للبيع”. رغم ذلك، تشهد جرينلاند حراكاً سياسياً للمطالبة بالاستقلال عن الدنمارك، في وقت تعتمد فيه الجزيرة على منحة سنوية تقدر بـ 500 مليون دولار.
أثارت تصريحات ترامب استنكاراً واسعاً في أوروبا، حيث أكد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح بأي تعدي على حدوده السيادية، مشدداً على ضرورة تعزيز القوة العسكرية الأوروبية لمواجهة التهديدات المحتملة. وأضاف أن “قانون الغابة” أصبح يشكل تحدياً كبيراً في العلاقات الدولية.
من جانبها، أكدت ألمانيا التزامها بالمبادئ الدولية التي تحظر تعديل الحدود بالقوة، حيث صرح متحدث باسم الخارجية الألمانية أن ميثاق الأمم المتحدة واتفاقات هلسنكي يشكلان الأساس لحفظ السلام الدولي.
وفي وقت لاحق، أعلن وزير الخارجية الدنماركي أن “جرينلاند قد تستقل عن الدنمارك إذا رغبت شعوبها في ذلك، لكن الجزيرة لن تصبح ولاية أمريكية”. وقد أجرى زعيم جرينلاند محادثات مع ملك الدنمارك في كوبنهاجن عقب تصريحات ترامب، مشيراً إلى أن الجزيرة قد تكون لها طموحاتها نحو الاستقلال، لكن ذلك لا يشمل الانضمام للولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكي راسموسن: “نحن على دراية بأن جرينلاند لديها طموحات خاصة، ولكنها لا تطمح لأن تصبح ولاية أمريكية”. وأضاف أن مخاوف الولايات المتحدة الأمنية في المنطقة القطبية الشمالية مشروعة، خاصة مع تزايد النشاط الروسي والصيني.
أما رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، فقد أكدت يوم الثلاثاء أنها لا تستطيع تصور أن طموحات ترامب قد تدفعه إلى التدخل العسكري في جرينلاند.
يرى ترامب أن السيطرة على جرينلاند تعد أمراً مهماً للأمن القومي الأمريكي، لكن الخبراء يشيرون إلى اهتمامه بموارد الجزيرة الطبيعية، التي تشمل المعادن النادرة التي قد تصبح أكثر قابلية للاستخراج مع ذوبان الجليد بسبب تغير المناخ.
جرينلاند، التي تعد أكبر جزيرة في العالم وتعيش فيها أكثر من 56,000 شخص، هي مستعمرة دنماركية ذات حكم ذاتي وتتمتع بموقع جيوسياسي متميز بين الولايات المتحدة وأوروبا. عاصمتها نوك أقرب إلى نيويورك منها إلى كوبنهاجن، ما يجعلها ذات أهمية استراتيجية للأمن الأمريكي، خصوصاً في مواجهة التهديدات الروسية. كما تضم الجزيرة ممر الشمال الغربي البحري على طول سواحلها.
وفقاً للبروفيسور كلاوس دودز من جامعة “رويال هولواي” في لندن، فإن جرينلاند غنية بالنفط والغاز والمعادن النادرة المطلوبة بشكل كبير في صناعات السيارات الكهربائية والتوربينات الهوائية ومعدات الدفاع العسكري.
وفي الوقت الذي تهيمن فيه الصين على إنتاج المعادن النادرة في العالم، وتُهدد بتقييد تصديرها وتقنياتها المتعلقة بها، يرى فريق ترامب أن جرينلاند قد تصبح بديلاً محتملاً لهذه المعادن المهمة، ما يفتح المجال لمواجهة النفوذ الصيني في هذا المجال.
ومع ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي وذوبان الجليد، تُعد جرينلاند موقعاً اقتصادياً محتملاً. فقد يؤدي ذوبان الجليد إلى فتح طرق ملاحية في القطب الشمالي، مما يسهم في زيادة قابلية الملاحة خلال فصل الصيف.
تُسلط تصريحات ترامب الضوء على تحول في السياسة الأمريكية قد يعكس توجهًا أكثر عدوانية وتوسعية. ورغم هذا، فإن ردود الفعل الدولية تعكس تمسكاً بالحفاظ على النظام الدولي كما هو، وهو ما قد يؤدي إلى المزيد من التوترات في المستقبل.