متابعة: نازك عيسى
قدرة الطفل على تنظيم ذاته تؤثر بشكل كبير على نتائجه قصيرة المدى، مثل تكوين الصداقات والمحافظة عليها، والمشاركة في الأنشطة المدرسية، وتحقيق التقدم الأكاديمي.
على سبيل المثال، عندما يلعب الطفل مع أصدقائه، يمكن للطفل الذي يمتلك مهارات تنظيمية أن ينتظر دوره، يلتزم بالقواعد، ويواصل اللعب حتى لو كان خاسرًا. بينما قد يظهر الطفل الذي يفتقر إلى هذه المهارات استياءً سريعًا، يشعر بالإحباط، وقد يُظهر سلوكيات غير منظمة مثل الانهيارات العصبية.
ووفقًا لدراسة أعدتها الباحثة نتالي داي من جامعة ولنغونغ في أستراليا، فإن عدم قدرة الطفل على تنظيم ذاته قد تكون له آثار طويلة الأمد. فقد تبين أن انخفاض التنظيم الذاتي في سن ما قبل المدرسة مرتبط بمشاكل في مرحلة البلوغ مثل المقامرة، وتعاطي المخدرات، وسوء الحالة الصحية، واضطرابات النوم، وزيادة الوزن.
تبدأ مهارات التنظيم الذاتي في الظهور لدى الأطفال عادةً في سن الثالثة، وهي الفترة التي يشهد فيها الدماغ نمواً سريعاً، وتكون ذروة هذا النمو بين سن 3 و5 سنوات.
إن القدرة على التنظيم الذاتي لا تتأثر بالجينات فقط، بل تلعب البيئة المحيطة والتجارب دوراً كبيراً في تنميتها. وهنا يأتي دور الآباء في توجيه أطفالهم.
غالباً ما يسعى الآباء إلى حماية أطفالهم من التحديات، لكن في بعض الأحيان قد تكون هذه الحماية الزائدة عائقًا أمام نمو قدرات التنظيم الذاتي لديهم.
فالأطفال يواجهون تحديات يومية، مثل فتح زجاجة ماء، أو البحث عن لعبة في غرفتهم، أو ربط أحذيتهم. وفي كثير من الأحيان، يسارع الآباء إلى تقديم الحلول لهم مباشرة.
لكن من الضروري لنمو دماغ الطفل أن يواجه هذه التحديات بنفسه ويتعلم كيفية التعامل معها.
عندما يسمح الآباء لأطفالهم بمحاولة حل المشكلات بأنفسهم، يتعلم الأطفال كيفية التفكير بمرونة، ويصبحون أكثر قدرة على ابتكار الحلول والمثابرة نحو تحقيق أهدافهم. هذه المهارات المكتسبة يمكن أن تترجم إلى تحسن في قدرتهم على التعامل مع المواقف الصعبة وتقليل الانهيارات العصبية مع مرور الوقت.
هذا لا يعني أن الآباء يجب أن يتجاهلوا أطفالهم في حالات الخطر أو الضيق الشديد، مثل الوقوع أو الإصابة. ولكن في العديد من الحالات الأخرى، يمكن للآباء أن ينتظروا قليلاً أو يقدموا المساعدة بشكل غير مباشر.
عندما يواجه الطفل صعوبة ما، يمكن للآباء استخدام التوجيه اللفظي للتشجيع أو اقتراح أفكار للحلول بدلاً من التدخل الفوري. والأهم هو أن يكون الطفل هو من يوجه طلب المساعدة، فلا يجب التدخل دون طلبه، ولا تقديم الدعم الكامل في البداية.
استخدام التشجيع، والتلميحات، والاقتراحات، ثم المساعدة العملية في الوقت المناسب هو الأسلوب المثالي لمساعدة الطفل على تطوير مهارات التنظيم الذاتي.