متابعة-جودت نصري
الحب هو من أسمى وأدق وأدق المشاعر الإنسانية، به يرتقي الإنسان ويدخل في درجات الخيال والسحر، فيجوب سماء الحب والعاطفة، ويسير في دروب الشباب والهواء، ويجوب العالم. مساحات الهوى والهيام، وكان الشعر دائماً مصباح العشاق المنير، ولسان العاشقين الأثير، والرسول الأمين الذي ينقل ما يحتدم في صدورهم، والمعبر عن اللسان عن أحوالهم وما يزعجهم لهم، وقد أبدع الشعراء في التعبير عن حبهم لمن أحبهم، أو حتى في التعبير عن الحب من أجل الحب..
• مواصفات الشعر العذري
في شعر الحب العذري يتعامل الشاعر مع المرأه ككيان راق مترفع عن الدنايا، عالٍ متعالٍ عن الخطايا، وفيه يجنح الشاعر بأبياته وأشعاره لما أبعد من للخيال محلقًا مرفرفًا بأجنحة السعادة في كل مكان، يلهج لسانه بما يختلج في فؤاده، مطوعًا اللغة بسحرها وبيانها ليبث محبوبته ما يزهو به قلبه من عشق وهوى وقد مرَّ الشعر العربيُّ بالعديد من المراحل منذ عصر الجاهلية الأولى وحتى عصرنا الحديث نرى شعراء الحب العذري ينظمون قصائدهم، وكان هناك العديد بل الكثير من هذه القصائد قد ذاع صيتها ومازالت تردد الى وقتنا هذا لما لها من بعد انساني صادق.
• بعض أبياتٍ معبرةٍ لأشعر شعراء الحب العذري
– يصف المتنبي حاله وما آل إليه بعد أن جرفه تيار العشق والوله وهو الذي لم يعتد أن يكون محبًأ عاشقًا يقول:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقى …
وللحب ما لم يبق منى وما بقى …
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه …
ولكن من يبصر جفونك يعشق …
وبين الرضى والسخط والقرب والنوى …
مجال لدمع المقلة المترقرق …
وأحلى الهوى ما شك فى الوصل ربه …
وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقي.
– ويقول عنترة بن شداد إمام الحب العذري بلا منازع، وزعيم العاشقين وسيد أهل الهوى الأولين متغزلًا متغنيا بجمال عبلة قلبه وحبيبه عمره:
زارَ الخَيالُ خَيالُ عَبلَةَ في الكَرى
لِمُتيَّمم نَشوانَ مَحلولِ العُرى
فَنَهَـضتُ أَشكو ما لَقيتُ لِبُعدِها
فَتنَفَّست مسكًا يُخالِطُ عَنبرا
فَضَمَمتُها كَيما أُقَـبِّل ثَغرَها
وَالدَمعُ مِن جَفنَيَّ قَد بَلَّ الثَرى
وَكَشفتُ بُرقُعَها فَأَشرَقَ وَجهُه
حَتى أَعادَ اللَيلَ صبحًا مُسفِرا
– وهذا أحد القيسين قيس بن ذريح الليثي الكناني والملقب بمجنون لبنى يتذكر حبه لها بعد أن طلقها لأنها لا تنجب، فأكله عذاب ضميره وهام على وجهه يستجدي حبه لها تؤرقه لوعة الفراق وتحرق قلبه نار الشوق، يقول:
يقولون لبنى فتنة كنت قبلها
بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي
وأقررت عين الشامت المتملق
وددت وبيت الله أني عصيتهم
وحملت في رضوانها كل موثق
وكلفت خوض البحر والبحر زاخر
أبيت على أثباج موج مفرق
كأني أرى الناس المحبين بعدها
عصارة ماء الحنظل المتفلق
فتنكر عيني بعدها كل منظر
ويكره سمعي بعدها كل منطق
– وهذا القيس الآخر، قيس بن الملوح، والذي لُقب بمجنون ليلى لعشقه الكبير لليلى العامرية، فلطالما ضُربت الأمثال فى ولهه بها وشدة عشقه لها، وهيامه وتعلقه بها فيما نظمه من أشعار مكرسًا لحزنه على فراقها وألمه في بعدها، والنار المستعرة بداخله لرفض أهلها قبول زواجهما يقول بأحد قصائده:
لَئن كَثُرَتْ رُقَّابُ لَيْلَى فَطالَمَا
لهوت بليلى ما لهن رقيب
وإن حال يأس دون ليلى فربّما
أتى اليأس دون الشّيء وهو حبيب
وَمَنَّيْتِنِي حَتَّى إذَا مَا رَأيْتِنِي
عَلَى شَرَفٍ لِلنَّاظِرينَ يرِيبُ
صَدَدْتِ وَأشمَتِّ الْعُدَاة َ بِهَجْرِنَا أثابَكِ
فِيمَا تَصْنَعِينَ مُثيِبُ
– كُثير عزة من أشهر المحبين بالتاريخ، وهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي، وقد عُرف بعشقه المتفرد، ووله المتقد لعزة الكنانية، فمما يُحكى انه دخل على عبد الملك بن مروان فجعل ينشد شعره في عزة وعيناه تذرفان، فقال له عبد الملك: قاتلك الله يا كثير هل رأيت أحدًا أعشق منك؟ ومما قاله في عزة:
خليليَّ هذا ربعُ عُزَّة َ فاعقلا
قلوصيكُما ثمّ ابكيا حيثُ حلَّتِ
ومُسّا تراباً كَانَ قَدْ مَسَّ جِلدها
وبِيتاً وَظِلاَّ حَيْثُ باتتْ وظلّتِ
ولا تيأسا أنْ يَمْحُوَ الله عنكُما
ذنوباً إذا صَلَّيْتما حَيْثُ صَلّتِ