متابعة- يوسف اسماعيل
عندما يتحدث الأثريون عن أشياء تعود للعصور القديمة، يتحدثون عن تاريخ يمتد لآلاف السنين، وأحد الأشياء التي عثر عليها في الآونة الأخيرة كانت مجموعة من اللوحات المسمارية التي يعود تاريخها للعام 3400 قبل الميلاد. ومن بين هذه اللوحات، وجدوا نوتة موسيقية مكتوبة باللغة الحورية. وقد كانت النوتة مرافقًا لأنشودة زوجة إله القمر، وهي إلهة محلية في أوغاريت تدعى “نيكال”.
وتدور قصة هذا النشيد الغامض حول حزن نيكال بسبب عقمها وعدم إنجابها للأطفال، بالرغم من أن زوجها هو الإله الذي يمنح الذرية للأزواج. ولكن المزيد من الغموض يكمن في محتوى النوتة الموسيقية، فقد كانت مكتوبة بأسلوب يظهر فيه كلمات وأرقام، وكانت باللغة الحورية التي تعد من اللغات القديمة التي تحتاج إلى خبراء لفك رموزها.
لقد حاول العديد من العلماء فك شفرة هذه النوتة الموسيقية، وكان من بينهم العالم الفيزيائي جورج فيتالي، الذي ولد في المملكة المتحدة البريطانية، ولكنه استقر في سوريا. وبعد جهود كبيرة، تمكن فيتالي أخيرًا من استخلاص لحن مدته ثلاث دقائق من النوتة، وأصدر تسجيلين لها، أحدهما عزفته الفرنسية تيريز مونلو على البيانو، والآخر عزفه الموسيقي السوري سعد الله آغا القلعة على آلة السنتور.
وبعد ذلك، تمكن الموسيقار السوري مالك جندلي من إعادة توزيع النوتة وتقديمها في مسارح عالمية حول العالم باسم “أصداء من أوغاريت”. ولكن الصعوبة الرئيسية في فهم هذه النوتة تكمن في تقدير الأساس الذي يجب أن تبدأ منه المقطوعة الموسيقية، لذلك كانت تختلف كلما حاول أحد الباحثين قراءتها بأسلوب مختلف، لكنها دومًا كانت تنتج لحن موسيقي متجانس.
بالنظر إلى كون هذه النوتة تعود للعام 3400 قبل الميلاد، فإنها تعتبر لغزًا موسيقيًا مذهلًا. وتثير الأسئلة حول كيفية تعامل الإنسان مع الموسيقى في العصور القديمة، وكيف تمكن العلماء من فك شفرة هذه النوتة الموسيقية بعد مرور الآلاف من السنين. وبالنظر إلى أن هذه النوتة كانت جزءًا من أنشودة تعبر عن حزن إلهة، فقد يثير هذا الأمر العديد من التساؤلات حول العلاقة بين الإلهة والمجتمع الذي كان يعبدها.
على الرغم من صعوبة فهم هذه النوتة الموسيقية، إلا أن العلماء استطاعوا استخلاص لحنها الجميل وتقديمه في مسارح حول العالم، وهذا يعكس المهارة الفائقة لهؤلاء الخبراء في فهم عالم الموسيقى والبحث عن الأسرار التي تحويها الآثار القديمة.
في النهاية، فإن هذه النوتة الموسيقية القديمة تذكرنا بأن الإبداع والفن لا يعرفان حدودًا زمنية، وأن أعمال الفنانين والموسيقيين في الماضي قد تبقى تحتفظ بسحرها وجمالها عبر الزمن. ولعل هذه النوتة الموسيقية ستظل لفترة طويلة قادرة على إيهامنا بأننا ما زلنا نكتشف جوانب جديدة من تاريخ الإنسانية، وأن العالم الموسيقي القديم لا يزال يحمل في طياته العديد من الأسرار والألغاز التي يتعين على العلماء فك شفراتها.