كتب أ. د. جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في صحيفة الاتحاد:
استشراف المستقبل والاستعداد له هما وسيلة الدول المتقدمة والناهضة التي تسعى دائماً إلى تحقيق التميز والريادة في سياق التنافس العالمي في مجالات التقدم الإنساني والحضاري المختلفة، من خلال وضع الخطط والسياسات والاستراتيجيات التي تتعامل مع الواقع وتحدياته، وترسم ملامح المستقبل المنشود والإسهام في تصميمه وصناعته، وفق أسس علمية سليمة وضوابط منهجية صارمة، لا تترك مجالاً لأعمال التنجيم، ولا تتيح هامشاً كبيراً للخطأ وسوء التقدير.
وقد أصبحت الدراسات المستقبلية، التي تُعنى باستشراف المستقبل وصناعته، علماً قائماً بحد ذاته، له أصوله العلمية وأدواته المنهجية وفلسفته الخاصة التي تنظر إلى المستقبل، بوصفه بعداً زمنياً يمكن التحكّم في صورته وصيرورته، بعد أن كان يُنظر إليه لقرون طويلة على أنه شيء غيبي وقدر محتوم لا مفر منه. كما تزايدت بصورة كبيرة أعداد العلماء والباحثين المشتغلين بالدراسات المستقبلية في الجامعات والمعاهد العلمية، وتأسست الكثير من مراكز الفكر والبحوث المتخصّصة في الدراسات المستقبلية، التي تستشرف المستقبل، وتضع الخطط والسياسات التي تساعد الحكومات على امتلاك زمام المبادرة فيه، وتعزيز مكانة دولها ورفاهية شعوبها وازدهارها.
والتطلع إلى المستقبل، واستشرافه، والتخطيط له، هي نهج أصيل في سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة، أرسى دعائمه، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ذلك القائد الحكيم، الذي كان يملك رؤية ثاقبة وبعيدة المدى تتعامل مع الواقع وتبني للمستقبل، وهي الرؤية التي ندين لها بالفضل فيما وصلت إليه دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم من تقدُّم ورفاهية وازدهار، وما حققته من إنجازات ترقى إلى مستوى المعجزات في المجالات المختلفة. وجوهر هذه الرؤية كان – ولا يزال – هو التركيز على بناء الإنسان الإماراتي، والاستثمار في طاقاته، وتطوير كفاءته، بوصفه الاستثمار الأنجح للمستقبل.
والتطلع إلى المستقبل، واستشرافه، والتخطيط له، هي نهج أصيل في سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة، أرسى دعائمه، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ذلك القائد الحكيم، الذي كان يملك رؤية ثاقبة وبعيدة المدى تتعامل مع الواقع وتبني للمستقبل، وهي الرؤية التي ندين لها بالفضل فيما وصلت إليه دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم من تقدُّم ورفاهية وازدهار، وما حققته من إنجازات ترقى إلى مستوى المعجزات في المجالات المختلفة. وجوهر هذه الرؤية كان – ولا يزال – هو التركيز على بناء الإنسان الإماراتي، والاستثمار في طاقاته، وتطوير كفاءته، بوصفه الاستثمار الأنجح للمستقبل.
وهذا النهج الحكيم استمر وتعزز بصورة كبيرة مع قيادتنا الرشيدة الحالية، ممثلة بصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله. فهذه القيادة الواعية والحكيمة جعلت من التخطيط للمستقبل وصناعته شعارها الرئيسي، في إطار سعيها الدؤوب وعملها المتواصل على تحقيق طموحها الأكبر بأن تضع دولة الإمارات العربية المتحدة، في المركز الأول عالمياً في جميع المؤشرات التنموية والإنسانية والحضارية، وتجعل شعبها أسعد شعوب الأرض قاطبة، وأكثرها رفاهيةً وتطوراً.
استراتيجيات تستشرف المستقبل
والدلائل على ذلك أكثر من أن تُحصى، فقد وضعت قيادتنا الرشيدة، حفظها الله، العديد من الاستراتيجيات التي تستشرف المستقبل في المجالات كافة، ومن أهمها «استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل»، التي تم إطلاقها في سبتمبر عام 2016، بهدف وضع أنظمة حكومية تجعل من استشراف المستقبل جزءاً من عملية التخطيط الاستراتيجي في الجهات الحكومية، وإعداد دراسات وسيناريوهات لاستشراف مستقبل كل القطاعات الحيوية (القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية)، بالإضافة إلى بناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل، كما تم تغيير اسم وزارة شؤون مجلس الوزراء إلى وزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، في مطلع عام 2016، لتكون بمنزلة الإطار المؤسسي اللازم لاستشراف المستقبل والعمل من أجله. وأطلقت الدولة العديد من الخطط التنموية المستقبلية التي تستهدف تعزيز النموذج التنموي الإماراتي الرائد، ومن أبرزها «رؤية الإمارات 2021»، التي تم إطلاقها عام 2010، والتي استهدفت وضع دولة الإمارات ضمن أفضل دول العالم، من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بحلول اليوبيل الذهبي للاتحاد في عام 2021، وخطة «مئوية الإمارات 2071»، التي أطلقتها الدولة في عام 2017، وتهدف إلى أن تكون دولة الإمارات أفضل دولة في العالم كله (الرقم واحد)، بحلول الذكرى المئوية لقيام الاتحاد عام 2071، و«الرؤية الاقتصادية لإمارة أبوظبي 2030»، التي تم إطلاقها في نوفمبر عام 2008، والتي تستهدف تحويل اقتصاد الإمارة إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وتقليل الاعتماد تدريجياً على قطاع النفط مصدراً رئيسياً للنشاط الاقتصادي.
قيادة متفرّدة بسماتها وحكمتها
كما أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال السنوات القليلة الماضية، العديد من الاستراتيجيات والخطط المستقبلية التي تستهدف الارتقاء بالقدرات الوطنية الإماراتية في مجالات وقطاعات ترى أنها هي التي ستقود المستقبل، ولاسيما قطاعات تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والفضاء، ومن ذلك على سبيل المثال اعتماد مجلس الوزراء تشكيل مجلس الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، وإطلاق «استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة»، في سبتمبر 2017، بهدف تعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة مركزاً عالمياً للثورة الصناعية الرابعة، والإسهام في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية، و«الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030» في مارس 2019، و«الاستراتيجية الوطنية للابتكار المتقدم» في فبراير 2018، و«استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي (AI)» في أكتوبر 2017، والاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031 في يونيو 2019، وغير ذلك الكثير من الاستراتيجيات والخطط المستقبلية التي تكشف بوضوح حقيقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت «دولة مستقبل»، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
واستكمالاً لهذا النهج الحكيم، وتتويجاً له، جاء إعلان قيادتنا الرشيدة، حفظها الله، في منتصف ديسمبر الماضي، تسمية العام الحالي (2020) «عام الاستعداد للخمسين»، ليؤكد للعالم كله أننا إزاء قيادة متفرّدة بسماتها وحكمتها ورؤيتها المستقبلية البعيدة المدى، قيادة لا تتوقف عن العمل، ولا تركن إلى ما تحقق من إنجازات مهما كانت عظيمة، وإنما تعمل دائماً على تحقيق الأفضل لوطنها وشعبها، قيادة لا تنظر إلى الماضي إلا بالقدر الذي تستفيد فيه من دروسه، وتتعامل مع الواقع كونه محطة للاستعداد والتخطيط لمستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة، قيادة تؤمن بأن الحاضر يؤسس للمستقبل، ولكن المستقبل لا يشبه الحاضر، وأن الاستعداد له يجب أن يكون بفكر مستقبلي، وبفلسفة تؤمن بأن الأجيال المقبلة ستتعامل مع قضايا وتحديات وفرص تختلف عما نواجهها نحن الآن، ولذا يجب إعدادها وتأهيلها بطريقة تساعدها على التعامل مع المستقبل بأريحية، وتزويدها بالمهارات والمعارف التي تسهّل تحقيق الريادة والتفوق فيه.
الانطلاقة الثانية إلى المستقبل
تريد قيادتنا الرشيدة أن يكون عام 2021، الذي ستحتفل فيها دولتنا الحبيبة بيوبيلها الذهبي، عام الانطلاقة الكبرى الثانية إلى المستقبل، عام التأسيس لمرحلة جديدة في مسيرة التطور الحضاري والإنساني والتنموي الرائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها، وتحقيق الطموح المشروع لقيادتنا بأن تكون دولة الإمارات أفضل بلد في العالم على الإطلاق، عند الاحتفال بمئويتها عام 2071، وهو ما أشار إليه صراحة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، بقوله: «نريد 2021 أن يكون عام الانطلاقة الكبرى، نحتفي بخمسين عاماً، ونطلق مسيرة الخمسين المقبلة»، ومن أجل ذلك، تم تخصيص عام 2020 للاستعداد لتحقيق هذا الهدف، من خلال إعداد وصياغة أكبر استراتيجية عمل وطنية من نوعها لبناء مستقبل دولة الإمارات في الأعوام الخمسين المقبلة، وتهيئة كل قطاعات الدولة لمرحلة ما بعد النفط، كما أشار إلى ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله.
تريد قيادتنا الرشيدة أن يكون عام 2020 هو عام حشد الجهود والطاقات وتعبئة الموارد والإمكانيات الوطنية كافة، المادية منها والفكرية، وتعزيز الشراكات المجتمعية، وذلك كأساس للانطلاق نحو مرحلة جديدة في مسيرتنا الحضارية والإنسانية، بعد أن نجحت الانطلاقة الأولى التي أرسى دعائمها، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الاتحاد، في صنع أعظم تجربة وحدوية عربية، وتمهيد الطريق أمام صنع نموذج تنموي وحضاري إماراتي متفرّد، تنظر إليه كثير من الدول والشعوب اليوم بتقدير وإعجاب شديدين، ويسعون إلى الاقتداء به.
تريد قيادتنا الرشيدة أن يكون عام 2020 هو عام حشد الجهود والطاقات وتعبئة الموارد والإمكانيات الوطنية كافة، المادية منها والفكرية، وتعزيز الشراكات المجتمعية، وذلك كأساس للانطلاق نحو مرحلة جديدة في مسيرتنا الحضارية والإنسانية، بعد أن نجحت الانطلاقة الأولى التي أرسى دعائمها، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الاتحاد، في صنع أعظم تجربة وحدوية عربية، وتمهيد الطريق أمام صنع نموذج تنموي وحضاري إماراتي متفرّد، تنظر إليه كثير من الدول والشعوب اليوم بتقدير وإعجاب شديدين، ويسعون إلى الاقتداء به.
روح الفريق
وتؤكد قيادتنا الرشيدة باستمرار أن صنع المستقبل، ومواصلة مسيرة التطور والإنجاز الإماراتية، وتعزيزها، أمور تتطلب أياديَ متحدة، وجهوداً مشتركة، والعمل بروح الفريق الواحد، وهو ما يعني أن كل فرد في هذا الوطن يجب أن يكون جزءاً من قصة النجاح الإماراتية، وعنصراً من عناصر صنع مستقبل هذا الوطن المشرق، فالطموح كبير، والجهود المطلوبة أكبر، ولاسيما من فئة المفكرين والمثقفين، ومن مراكز البحوث والدراسات، وكل المعنيين بالدراسات المستقبلية، للإسهام في دعم هذا التوجه الحكيم لقيادتنا الرشيدة، وطرح الأفكار الإبداعية والمبتكرة التي تدعم صانع القرار الوطني، ورؤيته الطموحة لإمارات المستقبل.
وتؤكد قيادتنا الرشيدة باستمرار أن صنع المستقبل، ومواصلة مسيرة التطور والإنجاز الإماراتية، وتعزيزها، أمور تتطلب أياديَ متحدة، وجهوداً مشتركة، والعمل بروح الفريق الواحد، وهو ما يعني أن كل فرد في هذا الوطن يجب أن يكون جزءاً من قصة النجاح الإماراتية، وعنصراً من عناصر صنع مستقبل هذا الوطن المشرق، فالطموح كبير، والجهود المطلوبة أكبر، ولاسيما من فئة المفكرين والمثقفين، ومن مراكز البحوث والدراسات، وكل المعنيين بالدراسات المستقبلية، للإسهام في دعم هذا التوجه الحكيم لقيادتنا الرشيدة، وطرح الأفكار الإبداعية والمبتكرة التي تدعم صانع القرار الوطني، ورؤيته الطموحة لإمارات المستقبل.
وانطلاقاً من ذلك ارتأيتُ أن أخصص سلسلة المقالات الشهرية لهذا العام الجديد، عام الاستعداد للخمسين، في هذه الصحيفة الغرَّاء، للإجابة عن سؤال محوري رئيسي، وهو: كيف نصنع مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة خلال نصف القرن المقبل؟ والهدف من ذلك هو تقديم مساهمة فكري – ولو كان بسيطاً – يمكن أن يساعد صانع القرار الوطني على تحقيق أهدافه الطموحة لمستقبل هذا الوطن العزيز، فضلاً عن تحفيز التفكير لدى كل المؤسسات والجهات والهيئات المعنية بالمستقبل، في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي، بهدف وضع تصورات لهذا المستقبل ولموقعنا على خريطته، ولهذا سوف تطرح مقالات هذه السلسلة مجموعة من الأفكار والمبادرات والتصورات بشأن التوجهات المستقبلية للدولة في المجالات المختلفة، وجوانب التغيير المتوقع أن تشهدها المنطقة والعالم في المستقبل في مختلف المجالات والقطاعات، والتحديات التي ستفرضها هذه التغييرات المتوقعة، والفرص التي يمكن أن تتيحها، ومعرفة كيف يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة التعامل مع هذه التغيرات المتوقعة والاستعداد لها، بما يحقق أهدافها الطموحة وحقها المشروع في ريادة العالم.
وثمة مجموعة من الملاحظات الأولية التي أودُّ طرحها في هذا السياق: الأولى أن حجم التغييرات المتوقعة في المستقبل يؤكد أن عالم الغد سيكون مختلفاً جذرياً عن عالم اليوم، وهو ما يعني أن الاستعداد له سيحتاج إلى جهد مضاعف لمواكبة ما يشهده العالم من حولنا من تغيرات في مختلف المجالات، والتمتع بدرجة عالية من المرونة والقابلية للتغيير لمواكبة هذه التغييرات المتسارعة وتوظيفها لخدمة أهدافنا الطموحة.
والثانية أن التعامل مع المستقبل والتغيرات المتوقع أن يشهدها العالم فيه يجب أن يتم من خلال رؤى وأفكار جديدة ومبتكرة وغير تقليدية، وهو ما يستدعي تعزيز ثقافة الابتكار والتفكير المبدع، وطرح كل السيناريوهات المحتملة، حتى لو كانت من باب الخيال العلمي، فما كنا نعده خيالاً في الماضي أصبح حقيقة واقعة اليوم.
والثانية أن التعامل مع المستقبل والتغيرات المتوقع أن يشهدها العالم فيه يجب أن يتم من خلال رؤى وأفكار جديدة ومبتكرة وغير تقليدية، وهو ما يستدعي تعزيز ثقافة الابتكار والتفكير المبدع، وطرح كل السيناريوهات المحتملة، حتى لو كانت من باب الخيال العلمي، فما كنا نعده خيالاً في الماضي أصبح حقيقة واقعة اليوم.
والثالثة أن الاستثمار في العنصر البشري كان هو المحرك الأول لنهضة دولة الإمارات العربية المتحدة في الأعوام الخمسين الماضية، وسيكون هو المحرك للتقدم والنهضة في الأعوام الخمسين المقبلة أيضاً، وهو ما يعني ضرورة مواصلة جهود الارتقاء بالإنسان الإماراتي وقدراته ومهاراته ومواهبه، ولكن بأساليب وطرق تناسب المستقبل، ولا تنتمي إلى الماضي أو الحاضر.