متابعة – نغم حسن
تولي دولة الإمارات قضية المحافظة على الحياة الفطرية وتنميتها، اهتماماً بالغاً، وهو ما تعكسه الجهود الضخمة التي تبذلها من أجل الحفاظ على استدامة البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي، بدءاً بسن التشريعات وتطبيقها، ومروراً بإنشاء المحميات الطبيعية والتوسع فيها، انتهاء بالمحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض وإكثارها وإعادة توطينها في مناطق انتشارها الطبيعية.
وبحسب “وام”، تحتضن دولة الإمارات 49 محمية طبيعية، تمثل نحو 15.53% من إجمالي مساحة الدولة وتنقسم هذه المحميات الطبيعية إلى 16 محمية بحرية تمثل نحو12.01% من المناطق البحرية والساحلية و33 محمية برية تمثل 18.4% من المناطق البرية في الدولة.
وتستضيف دولة الإمارات في الفترة من 30 نوفمبر المقبل وحتى 12 ديسمبر المقبل في مدينة إكسبو بدبي، الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28″، والذي يشكل منصة عالمية لمناقشة التحديات المناخية ووضع حلول وخطط توازن بين التنمية الاقتصادية المستدامة وحماية الموائل الطبيعية.
– إجراءات استباقية.
وأدركت دولة الإمارات مبكراً المخاطر التي تواجه الموائل الطبيعية، نتيجة حركة التطور السريع والأنشطة التنموية فاتخذت إجراءات استباقية، لتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والاستغلال المستدام للموارد، وتطوير مبادرات لإعادة تأهيل واستعادة النظم البيئية.
وأسفرت الجهود الحثيثة التي بذلتها الدولة عن زيادة رقعة المحميات الطبيعية، الأمر الذي ساهم في الحفاظ على عناصر التنوع البيولوجي، وضمان استدامة الموارد، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها، وساهمت هذه الجهود في زيادة أنواع وأعداد الطيور المقيمة والمهاجرة المتكاثرة، بالإضافة إلى استقرار البيئات، مثل الشعاب المرجانية وأشجار القرم، فضلاً عن تعزيز مكانة الدولة على خريطة العمل البيئي العالمي.
وتعمل المحميات الطبيعية على حماية الحياة البرية والبحرية وتعزيز التنوع البيولوجي، بما يسهم في صياغة نظام وتوزان بيئي فعال وصحي، حيث تعمل هذه المحميات على حماية كوكب الأرض من التأثيرات السلبية الحاصلة نتيجة التغيرات المناخية التي تحدث بشكل متواتر بسبب تضرر البيئة، حيث تعتبر الطبيعة العامل الأكبر في مكافحة الاحتباس الحراري، لذلك تعمل دولة الإمارات على الحفاظ عليها وتوسيع انتشار المحميات الطبيعية من أجل المساهمة في الحد من تداعيات ارتفاع درجات الحرارة.
– تنويع اقتصادي.
وأولت دولة الإمارات، أهمية كبيرة لعملية التوسع في تدشين المحميات الطبيعية، بغرض تحقيق منهجية الاقتصاد الأخضر، بوصفها أحد أبرز ملامح التنمية المستدامة، مع إطلاق مبادرات وخطط تعزز مسيرة التنويع الاقتصادي الطموحة للدولة وتساعدها على مواجهة قضايا التغير المناخي، وتسهم في الوقت نفسه في التحول نحو القطاعات الجديدة، والمبنية على المعرفة، وذلك في إطار التزام الدولة بمواجهة قضايا التغير المناخي، وتبني الخطط المستدامة، دون أن يؤثر ذلك على عملية خلق فرص اقتصادية واجتماعية جديدة محلياً ودولياً.
وعززت دولة الإمارات خططها لتوسيع انتشار المحميات الطبيعية، وإطلاق برامج إكثار الأنواع المهددة بالانقراض وإعادة توطينها في مناطق انتشارها الطبيعية، وتبادل الخبرات المعرفية وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي بهذا المجال، عبر إطلاق عدد من الاستراتيجيات وهي الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر، واستراتيجية استدامة البيئة البحرية والساحلية والإطار الوطني لاستدامة الثروة السمكية.
وتحرص دولة الإمارات على المحافظة على البيئة المستدامة عبر الاهتمام بالمحميات الطبيعية بهدف تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى، حيث تدعم الجهود التي تبذلها الدولة على الصعيدين المحلي والعالمي، والمساعي الدولية في مجال استدامة البيئة والمحافظة على تنوعها البيولوجي من أجل ترسيخ أسس المجتمعات المستدامة.
– نموذج فريد.
وتقدم دولة الإمارات نموذجاً فريداً للحفاظ على البيئة وحمايتها، حيث تجمع استراتيجيتها للتنمية المستدامة بين الأصالة والمعاصرة، عبر استراتيجية وطنية للبيئة وخطة للعمل البيئي واضحة المعالم، جاءت لتعزيز التزام الدولة بحماية البيئة وتبني مبادئ التنمية المستدامة، لذا وضعت دولة الإمارات مبدأ التنمية المستدامة على رأس أولوياتها، وبما يضمن التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين حماية البيئة.
وتسعى دولة الإمارات من وراء التوسع في إنشاء المحميات الطبيعية إلى تحسين البيئة، وحماية الحياة البرية والبحرية، والحد من تدهور الموائل الطبيعية، ووقف فقدان التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى الترويج للسياحة البيئية المحلية، حيث ساهمت هذه المحميات في تعزيز مكانة الدولة على خريطة العمل البيئي العالمي وتوفير بيئة آمنة للحياة الفطرية عززت جهود المحافظة على الأنواع وإكثارها وإعادة توطينها في مناطق انتشارها بنجاح.
وتخضع إدارة مناطق المحميات الطبيعية في دولة الإمارات لعملية تقييم فعالة كل سنتين من أجل ضمان الإدارة المستدامة للأنواع والنظم البيئية وذلك بالتعاون الوثيق مع الهيئات ذات الصلة. وقد سجلت دولة الإمارات في عام 2020 معدل 71% في تقييم الفعالية الإدارية مقارنة بالمعيار العالمي البالغ 53%.
– نهج ملائم.
وتتبع دولة الامارات نهجاً ملائماً يحقق التوازن بين عناصر البيئة ويأخذ بعين الاعتبار تطوير مواردها الطبيعية وترشيد استغلالها وتشجيع الحلول المستندة على الطبيعة للحفاظ على التنوع البيولوجي ويضمن حق الأجيال القادمة فيه.
ونجحت الرؤية الثاقبة التي خطّها الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” منذ أكثر من 5 عقود في غرس مفهوم الاستدامة وثقافة حماية البيئة في نفوس وعقول أبناء الوطن والمجتمع، ووضع مبادرات طموحة لتحويل أجزاء كبيرة من أراضي الدولة البرية والبحرية كمحميات طبيعية مستدامة تضم أنواعاً عدة من الكائنات الحية، لتشكل دولة الإمارات اليوم نموذجاً عالمياً فريداً في حماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية.
وتنفذ الإمارات مجموعة واسعة من البرامج والمبادرات الخاصة بالمحافظة على “التنوع البيولوجي” وذلك في سياق الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر، واستراتيجية استدامة البيئة البحرية والساحلية والإطار الوطني لاستدامة الثروة السمكية، وبما يتوافق مع توجهات الأمم المتحدة في هذا السياق.
وتستهدف الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي التصدي للأسباب الكامنة وراء فقدان التنوع البيولوجي عن طريق دمج قيم التنوع البيولوجي في جميع قطاعات الدولة، وخفض الضغوط المباشرة على التنوع البيولوجي وتعزيز الاستخدام المستدام، وتحسين حالة التنوع البيولوجي عن طريق صون النظم البيئية والأنواع والتنوع الوراثي.
وتشمل استراتيجية التنوع البيولوجي 5 موجهات استراتيجية و21 هدفاً وطنياً. وقد تم صياغة الموجهات والأهداف الوطنية بما يتماشى مع الأجندة الوطنية، وأهداف التنمية المستدامة وبما ينسجم مع الأولويات الوطنية ومع أهداف اتفاقية “آيشي للتنوع البيولوجي” التي تم توقيعها في عام 1992 وتم تنفيذها في عام 1993 بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أطلقت اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في 2022، الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد عام 2020 وذلك لتوجيه الدول حول كيفية المحافظة على التنوع البيولوجي من خلال وضع أهداف عالمية تساهم في تنفيذ الإطار العالمي. وعلى أثر ذلك عملت الدولة على تحديث الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي 2014 – 2021، حيث جرى تحديث الاستراتيجية الوطنية وذلك من خلال تشكيل فريق وطني مسؤول عن تحديث الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي مكون من السلطات المختصة في كل إمارة.
ويدرس الفريق التقدم المحرز في تنفيذ الاستراتيجية السابقة وتحليل نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتهديدات (SWOT Analysis) الناتجة عنها، حيث يجري العمل على تحليل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والقانونية التي تؤثر على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي (PESTLE Analysis)، بهدف وضع رؤية ورسالة وموجهات وأهداف جديدة موائمة للسياسات الوطنية والدولية والإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد 2020.
– تحالفات عالمية.
ورسخت دولة الإمارات اهتمامها باستدامة المحميات الطبيعية بالانضمام إلى تحالفات عالمية ومنها تحالف الطموح العالي، حيث تعمل الدولة مع المجموعات الحكومية الدولية على تقديم المزيد من الحماية والاستخدام المستدام للمناطق البحرية. ويتمثل الهدف الرئيسي للتحالف في حماية ما لا يقل عن 30% من أراضي ومحيطات العالم بحلول عام 2030. وتشمل الأهداف الأخرى تعزيز الحلول القائمة على الطبيعة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وزيادة التمويل العام والخاص للمحميات الطبيعية وزيادة تدابير الحفاظ عليها من أجل ضمان الإدارة طويلة الأجل والحوكمة المحلية، وكذلك دعم الإدارة الفعالة للمحميات والإدارة المستدامة في المجتمعات كافة.
كما عملت دولة الإمارات بالشراكة مع إندونيسيا على تطوير مبادرة تحالف القرم من أجل المناخ والتي تعتبر تجمعاً للحكومات الراغبة في تطوير وتسريع جهود حفظ واستعادة وتنمية النظم البيئية لأشجار القرم من خلال مساهمات طوعية محددة وطنياً بما يخدم جهود عزل الكربون وتخزينه في الأنظمة الطبيعية، ويعتبر هذا التحالف هو الوحيد من نوعه على مستوى العالم الذي يضم الحكومات كأعضاء مساهمين به. وسيعمل التحالف على تعزيز المشاركة المجتمعية في جهود حفظ واستعادة وتنمية موائل القرم، كما يوفر التحالف شبكة للتعاون بين الحكومات والمنظمات الدولية وجمعيات النفع العام.
ويستهدف التحالف دعم وتعزيز وتوسيع مساحات غابات القرم عالمياً كأحد الحلول القائمة على الطبيعة لمواجهة تحدي تغير المناخ، وجهود امتصاص وعزل انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً، حيث تساهم أشجار القرم في تعزيز مواجهة تداعيات التغير المناخي مثل الأعاصير، والعواصف، والفيضانات، كما تعد مخزناً للكربون بنسبة تصل إلى أربعة أضعاف الغابات الاستوائية المطيرة البرية، وتوفر مناطق خصبة وموائل طبيعية آمنة للتنوع البيولوجي البحري، وتعتمد 80% من مجموعات الأسماك العالمية على النظم الأيكولوجية الصحية لأشجار القرم.