متابعة: نازك عيسى
تأتي استضافة دبي لسوق السفر العربي واحتفالها بمرور ثلاثين عاماً على انطلاقه، وهو الاحتفال الذي يشارك فيه ما يزيد على 2000 عارض من أكثر من 150 دولة حول العالم، كشهادة ثقة دولية في دور دبي كمحرك دفع رئيسي لحركة السياحة العالمية، في الوقت الذي تتأهب فيه المدينة لبدء مرحلة جديدة في مسيرتها التنموية بأهداف واضحة حددتها أجندتها الاقتصادية للأعوام العشرة المقبلة، ومن أهمها ترسيخ مكانتها كواحدة من أهم ثلاث وجهات في العالم للسياحة التخصصية والأعمال، فضلاً عن تأكيد مكانتها كوجهة سياحية مفضلة على الصعيد العالمي بوجه عام في ضوء ما تمتلكه من مقومات جذب قوية وعوامل أسهمت على مدار العقود الماضية في استقطاب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم، وجعلتها تتصدر وجهات العالم الكبرى في قوائم البحث في المواقع المتخصصة في مجال السفر والسياحة.
ويشهد تاريخ “سوق السفر العربي” مع احتفاله بعامه الثلاثين على تلك المكانة التي اكتسبتها دبي كمركز رئيسي للحركة السياحية في العالم، وهو ما يتضح من خلال حرص العدد الضخم من أكبر المؤسسات والشركات العالمية وأشهر سلاسل الفنادق وكذلك مكاتب الترويج السياحي في العالم على المشاركة في هذا المحفل، الذي استمد قوته من سمعة دبي كوجهة سياحية أولى في المنطقة، وكذلك من الثقة الكبيرة التي أولاها المجتمع الدولي لدبي وقدرتها على تنظيم فعاليات عالمية كبرى وفق أفضل معايير التنظيم والاستضافة بدليل “إكسبو 2020 دبي” الذي مثّل علامة فارقة في تاريخ أضخم معارض العالم وأعرقها والممتد إلى أكثر من 170 عاماً.
وتزامن مع “سوق السفر العربي” إعلان دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي عن أعداد زوار المدينة خلال الربع الأول من العام الجاري والذين وصل عددهم إلى 4.67 مليون زائر دولي مقارنة بـ 3.97 مليون زائر خلال الفترة نفسها من عام 2022، وبزيادة نسبتها 17% على أساس سنوي، وهو ما يؤكد تسارع وتيرة استعادة الزخم القوي للقطاع بفضل توجيهات القيادة الرشيدة واتباع خطة عمل ضافر خلالها القطاعان الحكومي والخاص جهودهما من أجل العبور إلى نجاحات مشتركة جديدة.
وفي هذا السياق، يؤكد سعادة هلال سعيد المري، المدير العام لدائرة الاقتصاد والسياحة أن المعطيات تشير إلى مضي دبي في طريقها الصحيح وبخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية التي حددها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للأعوام العشرة المقبلة، وفصّلتها أجندة دبي الاقتصادية D33، لاسيما على مستوى قطاع السياحة، مشيراً إلى النتائج القياسية المتحققة للقطاع خلال فترة زمنية وجيزة تمكنت خلالها من أن تثبت للعالم قدرتها الفائقة على القفز فوق التحديات التي تفرضها المتغيرات العالمية المحيطة.
ويقول سعادته: “تعمل مختلف قطاعات دبي ضمن رؤية واضحة وأهداف محددة وأدوار تتكامل في تحقيقها ضمن منظومة تتسم بالتناغم الشديد وتستند إلى جملة من المقومات التي تمكنها من بلوغ الغايات المحددة، ومن أهمها البنية التحتية القوية التي واصلت دبي الاستثمار في إرساء دعائمها على مدار سنوات طويلة وما أثمرته من منشآت فندقية وقطاعات خدمية تضاهي بل تتفوق على نظيراتها العالمية، مستقطبة أهم سلاسل الفنادق والمطاعم والعلامات التجارية من حول العالم لتصبح دبي رقماً صعباً في معادلة المنافسة العالمية، ونداً قوياً في السباق نحو تبوء مراتب الصدارة في مختلف القطاعات التنموية والإبداعية لاسيما قطاع السياحة”.
ويرى مدير عام دائرة الاقتصاد والسياحة، أن الشراكة النموذجية التي عززت أسسها دبي مع القطاع الخاص، والقدر الكبير من توافق الرؤى والأهداف الذي يميز تلك الشراكة، والحرص على تنميتها بتوفير كل المقومات اللازمة للوصول إلى نجاحات مشتركة تعود بالنفع والفائدة على طرفيها، من أهم أسباب تفوق مختلف القطاعات الاقتصادية في دبي ومن أهمها القطاع السياحي، في حين لا تدخر الدائرة جهداً في تهيئة المجال لنمو وازدهار تلك الشراكة لتظل دبي الوجهة الأولى للزائر والمستثمر والمبدع الراغب في تحويل حلمه إلى نجاح”.
مكانة فريدة
وتمثّل البنية التحتية أحد أهم مقومات التميز لدبي كواحدة من أهم الوجهات السياحية على مستوى العالم، فعلى سبيل المثال لا يزال “مطار دبي الدولي” يتربع على عرش أكبر مطارات العالم حيث أعداد المسافرين الدوليين للعام التاسع على التوالي هذا العام، فضلا عن مكانتها كمركز رئيسي للخدمات المالية والأعمال في المنطقة، ووجهة رئيسية للاستثمارات الأجنبية المباشرة ورؤوس الأموال وروّاد الأعمال من مختلف دول العالم، نتيجة لما توفره من محفزات من أهمها التوجهات الحكومية الداعمة للاستثمار، فضلا عن البيئة التشريعية والتنظيمية المرنة.
نمو لا تثنيه التحديات
المتتبع للمراحل التي مر بها قطاع السياحة في دبي خلال السنوات العشر الماضية، لا يمكن أن تفوته أي من المقومات التي منحت دبي القدرة على مواصلة النمو، والدليل يتضح في نتائج القطاع المتحققة في تلك الفترة، مع الأخذ في الاعتبار التأثير غير المسبوق لجائحة كوفيد-19، والذي طال كافة القطاعات الاقتصادية حول العالم، والذي لم يسلب دبي قدرتها الدائمة على تخطي المعوقات والصعاب، واكتشاف الفرص في قلب التحديات.
ورغم ما شهده العالم خلال السنوات الماضية من حالة عدم اليقين الناجمة عن أوضاع استثنائية أثرت سلباً على الاقتصاد العالمي بمختلف روافده، إلا أن دبي برؤية قيادتها الرشيدة وبما اتخذته من قرارات حكيمة مكنتها من تجاوز كافة العراقيل والمعوقات، تواصل مسيرتها الطموحة وبعزيمة وإصرار على تصدر المؤشرات القياسية العالمية ضمن مختلف القطاعات من بينها قطاع السياحة، رغم كونه من أكثر القطاعات حساسية وتأثراً بالمتغيرات العالمية، إلا أن دبي أثبتت أنه بوضوح الرؤية والأهداف وتضافر الجهود ضمن استراتيجية محددة يمكن تحويل المِحَن إلى مِنَح.
ووفقاً لما أعلنه مكتب “فعاليات دبي للأعمال”، المكتب الرسمي لجذب الفعاليات والمؤتمرات في دبي والتابع لدائرة الاقتصاد والسياحة، فإن دبي فازت بعدد 232 عطاء استضافة لفعاليات عالمية تقام على مدار السنوات القليلة المقبلة، حيث من المنتظر أن تستقطب تلك الفعاليات 135 ألف مشارك من دولة الإمارات والمنطقة ومختلف أنحاء العالم، ومنهم علماء وخبراء متخصصين في شتى المجالات وقادة فكر ورجال أعمال وقيادات تنفيذية، فضلا عن عشرات الآلاف من الزوار المهتمين بمختلف القطاعات التي تغطيها تلك الفعاليات سواء من داخل أو خارج الدولة، ما يعد حافزاً رئيسياً للأداء القوي للقطاع الفندقي والخدمي في دبي.
وكانت الدائرة قد كشفت في فبراير الماضي أن دبي استقبلت 14.36 مليون زائر دولي في الفترة من يناير وحتى ديسمبر 2022، بزيادة قدرها 97% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021، والذي استقبلت فيه 7.28 مليون زائر، لتتجاوز بذلك مستويات تعافي قطاع السياحة العالمي والإقليمي، في أعقاب الجائحة، بفضل النهج الفعال الذي تبنته في تخطي تبعاتها التي طالت مفاصل الاقتصاد العالمي. فيما منح موقع “تريب أدفايز” العالمي المتخصص في مجال السياحة والسفر، دبي لقب أفضل وجهة عالمية في جوائز اختيار المسافرين للعام 2023 وذلك للعام الثاني على التوالي.
ويأتي هذا النمو الاستثنائي تأسيساً على الأداء القياسي للقطاع السياحي في دبي على مدار العقد الماضي، حيث وصل عدد السياح الذين استقبلتهم دبي في العام 2010 إلى أكثر من 8 ملايين سائح، فيما زاد هذا العدد إلى 16.73 مليون سائح في العام 2019، حيث يتضح التطور القوي للقطاع وتضاعف عدد الزوار خلال أقل من عقد واحد.
وخلال الفترة من العام 2010 وحتى العام 2022، شهدت دبي نمواً قوياً لبنيتها التحتية الداعمة لقطاع السياحة وفي مقدمتها المنشآت الفندقية، حيث زاد عدد الفنادق من 382 فندقاً في العام 2010، إلى 610 فندقاً في العام 2022، والذي بلغ فيه عدد الغرف الفندقية 120 ألفاً و602 غرفة، مقابل 51 ألفاً و115 غرفة في العام 2010، فيما زادت أعداد الشقق الفندقية في دبي من 19 ألفاً و840 شقة فندقية في عام 2010 إلى 25 ألفاً و894 شقة فندقية في العام 2022، وذلك وفقاً للتقارير الصادرة عن مركز دبي للإحصاء.
ويعزز من جاذبية دبي المشاريع الكبرى والمتنوعة التي تضمها المدينة والتي تلبي تطلعات كل من يقصدها بهدف قضاء عطلة ممتعة مع الأهل والأصدقاء من منشآت رياضية عالمية المستوى، ومن أهمها ملاعب الغولف رفيعة المستوى، ومدن للألعاب الترفيهية، والمتنزهات المائية الضخمة، والمنتجعات الفاخرة، والفنادق من مختلف الفئات، ومراكز التسوق التي تضم أفخر المنتجات وأشهر الماركات العالمية، وكذلك المرافق الترفيهية المختلفة التي ترضى عشاق المغامرة مثل القفز بالمظلات أو الغوص أو الاستمتاع بروعة الصحراء من خلال رحلات السفاري، وغيرها الكثير من المميزات.
مطار دبي الدولي.. الأول عالمياً لتسعة أعوام على التوالي
ويشكل “مطار دبي الدولي” أحد أهم الركائز الأساسية للبنية التحتية الداعمة لقطاع السياحة والسفر في دبي، إذ واصل المطار الحفاظ على مكانته كأكبر مطار على مستوى العالم من حيث عدد المسافرين الدوليين، وذلك للعام التاسع على التوالي، حيث وصل إجمالي عدد المسافرين من خلاله في العام 2022 إلى أكثر من 66 مليون مسافرا بزيادة قدرها 127% على أساس سنوي، فيما يواصل قطاع الطيران العالمي تعافيه من جراء الأزمة الطاحنة التي ألمت به جراء جائحة كوفيد-19 والتي تسببت في تعطيل حركة السفر حول العالم، إلا أن دبي كانت من أوائل المدن التي فتحت أجوائها لتمكن العالم من التنقل مرة أخرى، وذلك بفضل الإجراءات الحاسمة التي اتبعتها في مواجهة هذه الأزمة العالمية، فيما يشار إلى أن مطار دبي الدولي قد استقبل 47.2 مليون مسافر في العام 2010، بنمو بلغ 15.3٪، مقارنة مع 40.9 مليون مسافر في العام 2009.
ويشكل مطار دبي الدولي إحدى المعابر المهمة للسياحة القادمة إلى دبي، فضلاً عن كونه حلقة وصل رئيسية لحركة السفر العالمية، إذ يربط المطار دبي بأكثر من 234 وجهة سفر في 99 دولة حول العالم من خلال رحلات منتظمة لعدد 89 شركة طيران.
السياحة البحرية
وتعد رحلات السياحة البحرية من بين الروافد المهمة للقطاع السياحي في دبي، وذلك في ضوء ما تتمتع به المدينة من موانئ مرافئ بحرية وخدمات ملاحية عالمية المستوى، تؤازرها شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تنظيم وتسيير رحلات السفن السياحية، حيث من المتوقع أن تستقبل دبي خلال موسم الرحلات البحرية (2022-2023) والذي انطلق في أكتوبر الماضي 166سفينة سياحية فاخرة من المنتظر أن تحمل على متنها 900 ألف سائح من ركاب الرحلات البحرية، وذلك عبر “ميناء راشد”، وكذلك في “دبي هاربر”، واللذين يضمان أحدث المرافق الخدمية للرحلات البحرية وأيضا طواقم السفن السياحية، فيما استقبلت دبي خلال الموسم الماضي (2021/2022) 98 سفينة سياحية على متنها 338 ألفا و697 مسافراً.
تجربة تنقّل آمن وسهل وممتع لمجتمع دبي وزوارها
ومع نهجها الرامي إلى تبوء مكانة ريادية كوجهة سياحية أولى على مستوى العالم، تتكامل في دبي العناصر الداعمة لهذا الهدف الاستراتيجي من خلال جملة من الخدمات التي تتضافر فيما بينها لمنح السائح تجربة لا تنسى بما توفره له من مختلف عناصر الراحة والسعادة أثناء تواجده في دبي، ومنذ اللحظات الأولى لوصوله إلى المطار وحتى مغادرته.
وتشكل حلول التنقل أولوية للسائح في أي مكان يصل إليه، بل يعد توافر وسائل المواصلات الحديثة والآمنة التي تمكنه من الاستمتاع بالزيارة إحدى الأولويات الأساسية للسائح في اختيار الوجهة التي يقصدها سواء لغرض يتعلق بالعمل أو لقضاء عطلته. وتعتبر شبكة المواصلات في دبي من أحدث وأرقى منظومات النقل على مستوى العالم في ضوء الاستثمارات الضخمة التي ضختها دبي على مدار سنوات طويلة في هذا القطاع.
وتتنوع مكونات منظومة النقل التي تقوم عليها “هيئة الطرق والمواصلات في دبي” لتكوّن شبكة تغطي كافة مناطق المدينة وتربط مختلف مواقعها الحيوية وكذلك المزارات السياحية الرئيسية فيها، وفي مقدمتها “مترو دبي” الذي احتفل مؤخراً ببلوغ عدد مستخدميه منذ اطلاقه في العام 1999 إلى أكثر من ملياري راكب.
ويضم أسطول حافلات هيئة الطرق والمواصلات 1400 حافلة تتكامل مع محطات مترو دبي في تغطية جنبات المدينة، فضلا عن 11621 مركبة أجرة تتسم بالفخامة والمستوى الراقي، وتتوفر على متن تلك الوسائل العديد من الخدمات.
كذلك تشكل وسائل النقل البحري التي تشغلها الهيئة، ومنها “العبرة” التراثية و”فيري دبي” و”التاكسي المائي”، و”الباص المائي” وجه آخر من أوجه الاستمتاع للزائر حيث لا تخدم تلك الوسائل فقط للتنقل بين جنبات المدينة وعلى امتداد خور دبي وشواطئها الممتدة على الخليج العربي، ولكنها أيضا تمثل وسيلة نموذجية لمشاهدة معالم دبي الأساسية.
مع مضافرة الجهود من أجل تعزيز مكانة دبي كوجهة سياحية لا مثيل لها، تعمل بلدية دبي على الارتقاء بالعديد من المرافق السياحية والخدمية في المدينة ومن أهمها الحدائق والمتنزهات العامة المنتشرة في أنحاء دبي، فضلا عن المساحات الخضراء المفتوحة الموزعة على كافة ربوعها والتي يبلغ إجمالي مساحتها 45.8 مليون مترا مربعاً. كذلك تعمل البلدية على توفير كافة متطلبات الراحة على شواطئ دبي والتي تعد من أكثر مناطقها السياحية جذبا للزوار، حيث تتوافر في متناول مرتادي شواطئ دبي المفتوحة الممتدة بامتداد سواحلها على الخليج العربي، طيفا واسعا من الخدمات فضلا عن المرافق التي تسهل وصول الزوار والاستمتاع بتلك الشواطئ بما في ذلك المرافق المخصصة لأصحاب الهمم.