متابعة – نغم حسن
أدركت دولة الإمارات منذ تأسيسها أهمية حماية البيئة بهدف حماية الحياة البرية والبحرية في الدولة، فاستحدثت العديد من التشريعات والقوانين على المستويين الاتحادي والمحلي التي تساعد في المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية، وتحظر أية سلوكيات قد تشكل خطراً عليها، ما أسهم في ترسيخ نهج الاستدامة، وريادة الإمارات ضمن مؤشرات التنافسية العالمية.
وبحسب “وام”، شغلت البيئة اهتمام وفكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، واعتبر القائد المؤسس أن البيئة أمانة يجب الحفاظ عليها للأجيال المقبلة، وحرص على حمايتها عبر توفير كل الأنظمة والتشريعات والبرامج والمشروعات اللازمة، حتى أنه أمر “ رحمه الله ” بعدم قطع أي شجرة غاف أو غيرها، لأي سبب من الأسباب وأوجب مساءلة من يخالف ذلك، حرصاً منه وتقديراً لحماية البيئة.
وتعد الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) الذي تستضيفه دولة الإمارات خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، فرصة مثالية لعرض مبادرات الدولة وتشريعاتها البيئية ونموذجها الرائد في الاستدامة، وذلك من خلال منصة عالمية تضع في مقدمة أهدافها، تحقيق الاستدامة وتسهيل التحول العالمي إلى الاقتصاد الأخضر بأسرع وقت ممكن.
– اهتمام كبير.
وبدأ الاهتمام بالبيئة في دولة الإمارات يتخذ بعـداً جديـداً منذ عام 1975، حيث أصدر مجلس الـوزراء قـراراً بتـشكيل “اللجنـة العليـا للبيئة” التي تم تكليفها بمسؤولية التنسيق بـين الإمـارات السبع فـيما يتعلـق بالقضايا البيئية، وتمثيل الدولة في المؤتمرات العلمية وترتيب انضمامها إلى الاتفاقيات الدولية.
وفي عام 1993 صدر قانون اتحادي بإنشاء الهيئة الاتحادية للبيئة، وهي هيئة حكومية ملحقة بمجلس الوزراء، تأكيـداً لحـرص الدولـة عـلى تعزيـز ودعم الخطط الرامية إلى حماية البيئة، كما تم استحداث وزارة البيئة والمياه عام 2006، قبل إضافة ملف التغير المناخي إلى الوزارة عام 2016.
وعلى المستوى المحلي شهدت إمارات الدولـة إنشاء العديـد مـن الهيئـات التـي تعنى بشؤون البيئة والحفاظ على الحيـاة البريـة، وفي مقـدمتها إدارات وأقـسام البيئة في البلديات المحلية.
– قانون حماية البيئة.
وقد توجت هذه الحماية القانونية للبيئة في دولة الإمارات بصدور القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها، وتمت من خلاله إعـادة الاسـتفادة مـن التـشريعات القائمـة في العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال.
ولعل أهم ما يميز القانون الاتحادي تغطيته الدقيقة لمختلف القضايا والمشكلات البيئية، ومراعاته الواقع المحلي والخصائص التي تميز مجتمع الإمارات، وحرصه على إشراك جميع الجهـات المعنيـة في الإعـداد والتنفيذ والإشراف، فضلاً عن مراعاة هذا القانون الالتزامـات التـي رتبتهـا الاتفاقـات والبروتوكـولات الإقليميـة والدوليـة بالإضـافة إلى مرونتـه في التعامل مع الكثير من القضايا البيئية، خاصة تلـك المرتبطـة بالتنميـة في دولة الإمارات، تأكيدا لعلاقة التكامل بين البيئة والتنمية.
ويهدف هذا القـانون إلى حمايـة البيئـة والحفـاظ عـلى نوعيتها، ومكافحة التلوث بأشكاله المختلفـة، وتجنـب أي أضرار أو آثـار فوريـة أو بعيـدة المـدى نتيجـة لخطـط، أو بـرامج التنميـة الاقتـصادية أو الزراعية أو العمرانية، أو غيرها، كما يهدف القانون إلى تنمية الموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع الحيـوي في دولـة الإمـارات واسـتغلاله بالطريقة الأمثـل لمـصلحة الأجيـال الحاضرة والمتعاقبة وحماية المجتمع وصحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى من جميع الأنشطة والأفعال المضرة بالبيئة.
ونص القانون على وضع نظام وطني للرصد البيئـي وخطـط لمواجهـة الطوارئ والكوارث البيئية وحماية شواطئ الدولة والبيئة البحرية ومواردها الطبيعية ومياه الشرب والمياه الجوفية وحماية الهواء من التلوث فـضلاً عـن حماية المحميات الطبيعية والكائنات التي تعيش فيها.
– بيئة مستدامة .
وفي عام 2015 وافق المجلس الوطني الاتحادي على مشروع قانون اتحادي بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها، وحرص المجلس على أن تسري أحكامه على إقليم الدولة بما فيها المناطق الحرة.
وأكد المجلس الوطني الاتحادي أهمية مشروع القانون في حماية البيئة وتنميتها بما يواكب التطورات التي تطرأ على البيئة، لتوفير جودة حياة عالية في بيئة معطاءة ومستدامة، إلى جانب تعزيز الجهود الرامية إلى حماية البيئة الطبيعية التي تعد من أولويات الإمارات التي أصدرت أول قوانين لتنظيم الصيد وحماية الحياة البرية والفطرية قبل نحو 30 عاما.
وشدد المجلس على أهمية مشروع القانون في تفعيل حماية الطبيعة والحد من تأثير التغير المناخي في المحيط الحضري والنظام البيئي والبيئة المستدامة وفي تطوير المنظومة التشريعية، لا سيما أن الإمارات صادقت على الاتفاقية الدولية لمنع التلوث من السفن بموجب المرسوم الاتحادي رقم 74 لسنة 2006 والتي دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من 14 إبريل عام 2007 نظرا للوضع الخاص لمنطقة الخليج والطلب العالمي المتزايد على النفط والنمو العمراني الهائل على سواحل الدولة وللحفاظ على نظافة مياه وشواطئ الدولة.
– جودة الهواء.
وللمحافظة على الهـواء من التلوث صـدرت العديد من التـشريعات في دولـة الإمـارات، منها نظام النظافة العامة والشروط الصحية للمحلات التجارية العامة رقم (11) لسنة 1972، كما كانت حماية الهواء من التلوث أحد أهداف القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 بشأن حماية البيئة وتنميتها، بحيث عمل القانون على تحديد ملوثات الهواء واتخاذ الإجراءات القانونية لحظرها أو الحد منها بحيث تكون ضمن الحدود المسموح بها.
وقد ألزم القانون الأفراد وأصحاب المنشآت والمشاريع بضوابط محددة للحد من تلوث الهواء، ونتيجة لذلك شهدت دولة الإمارات تحسناً ملحوظاً في نسب مستويات جودة الهواء بدءاً من الارتفاع في نسبة مستوى الأيام الخضراء مروراً بالانخفاض في نسب معظم ملوثات الهواء في الدولة.
ومواصلةً لجهود دولة الإمارات في المحافظة على الهواء من التلوث، صدر قرار مجلس الوزراء رقم 12 لعام 2006 بشأن نظام حماية الهواء من التلوث، وقرار مجلس الوزراء رقم 20 لسنة 2008 بشأن تنظيم أنشطة الكسارات والمحاجر ونقل منتجاتها وذلك في إطار الحرص على معالجة التأثيرات السلبية لهذه الأنشطة، وحفاظاً على صحة الإنسان والبيئة.
– حماية التنوع الحيوي.
وحظيت قضية التنوع البيولوجي باهتمام بالغ في دولة الإمارات منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد كرسَ جزءاً كبيراً من حياته لحماية الطبيعة لتنعم الأجيال القادمة ببيئة حيوية مستدامة، ولم تقتصر هذه الجهود على المستوى المحلي فقط، بل امتدت على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وأصدرت الدولة العديد من التشريعات الخاصة بحماية تنوعها الحيوي مثل القانون الاتحادي رقم (23) لسنة 1999 في شأن استغلال وحماية وتنمية الثروات المائية الحية في دولة الإمارات، والقانون الاتحادي رقم (24) لسنة 1999 بشأن حماية البيئة وتنميتها والذي يحظر صيد أو نقل أو قتل أو إيذاء الكائنات البرية أو البحرية أو القيام بأعمال من شأنها القضاء عليها وإتلاف أو تدمير التكوينات الجيولوجية أو الجغرافية أو المناطق التي تعد موطناً لفصائل الحيوان أو النبات أو لتكاثرها وإدخال أجناس غريبة للمنطقة المحمية وتلويث تربة أو مياه أو هواء المنطقة المحمية، كما أصدرت في هذا الخصوص القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 2002 بشأن تنظيم ومراقبة الاتجار الدولي بالحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض ولائحته التنفيذية.
وتضمنت التشريعات التي تستهدف حماية البيئة أيضاً القانون الاتحادي رقم (9) لسنة 2020 في شأن السلامة الأحيائية من الكائنات المحورة وراثياً ومنتجاتها ولائحته التنفيذية، والقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 2021 في شأن الحصول على الموارد الوراثية ومشتقاتها والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها ولائحته التنفيذية.
– حماية الأوزون .
ومنذ انضمامها لاتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون في عام 1989م و”بروتوكول مونتريال” في عام 1990م، وضعت دولة الإمارات حزمة من الإجراءات للوفاء بالتزاماتها في الاتفاقية والبروتوكول وتعديلاته وقرارات مؤتمرات الدول الأطراف، واستطاعت بجهود ذاتية خالصة، الوفاء بالتزاماتها بتحقيق الحظر الكلي للمواد الكلوروفلوروكربونية والهالونات ضمن الإطار الزمني المحدد بحلول عام 2010م.
وأصدرت وزارة التغير المناخي والبيئة، بالتعاون مع السلطات والجهات المعنية في الدولة، في عام 2012م قراراً تنظيمياً يستهدف التخلص التدريجي من المركبات الهيدروكلوروفلوروكربونية، وفق النسب والأطر الزمنية المحددة بقرار الاجتماع التاسع عشر للأطراف وصولاً إلى موعد الحظر الكلي لها عام 2040م.
كما اعتمد مجلس الوزراء بموجب قراره رقم 26 لسنة 2014 النظام الوطني الخاص بالمواد المستنفدة لطبقة الأوزون، وقد أخضع النظام كافة الأجهزة والمعدات والمنتجات التي تستخدم فيها المواد المستنفدة لطبقة الأوزون للرقابة وحظر استيراد المستعمل منها، كما حظر النظام استيراد أو تصدير أو إعادة تصدير المواد المستنفدة لطبقة الأوزون الخاضعة للرقابة من وإلى الدول غير الأطراف في بروتوكول مونتريال.
– ترسيخ الاستدامة .
وفي إطار جهودها لتحقيق الاستدامة وتنويع مصادر الطاقة، اعتمدت دولة الإمارات القانون الاتحادي في شأن تنظيم ربط وحدات إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة بالشبكة الكهربائية، الهادف إلى تمكين الأشخاص من إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة، وتحقيق مستهدفات الدولة بتعزيز تنويع مصادر الطاقة والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، بما يضمن خفض الانبعاثات والوصول إلى الحياد المناخي.
كما اعتمدت حكومة الإمارات اللائحة الوطنية للبناء، والتي تشمل أدلة الاستدامة للمباني، والطرق، والمساكن الاتحادية، والدليل الوطني لاستدامة المباني لمحوري التشغيل والصيانة، بما يضمن تحقيق نتائج ومستهدفات استراتيجية من حيث خفض استخدام المواد والموارد الطبيعية بنسبة 15%، وخفض البصمة الكربونية بنسبة 5%، وخفض الطاقة في الطرق بنسبة 45%، وخفض الطاقة في المباني والمساكن بنسبة 25%، وخفض استهلاك المياه بنسبة 16%.
وأصدرت دولة الإمارات القانون الاتحادي رقم (12) لسنة 2018 في شأن الإدارة المتكاملة للنفايات ولائحته التنفيذية لتنظيم عملية إدارة النفايات وتوحيد آليات وطرق التخلص السليم منها، بالاستناد إلى أفضل الممارسات والتقنيات المتاحة، بغرض حماية البيئة وتقليل الضرر على صحة الإنسان.
وبهدف تنظيم أنشطة تداول الزيوت المستعملة، صدر قرار مجلس الوزراء رقم (33) لسنة 2018 بشأن تداول الزيوت المستعملة، والذي يهدف إلى الحيلولة دون تسببها بتلوث البيئة أو إلحاقها ضرراً بالصحة العامة.
– المنتجات ذات الاستخدام الواحد.
وواصلت دولة الإمارات جهودها لتعزيز مبدأ الاستدامة البيئية على المستويين الاتحادي والمحلي، وجاء القرار الوزاري رقم 380 لسنة 2022 بشأن تنظيم استخدام المنتجات ذات الاستخدام الواحد في أسواق الدولة ليشكل أحد الإجراءات الرامية لحماية البيئة من التلوث الناتج عن استهلاك مثل تلك المنتجات.
ويحد القرار من استهلاك الأكياس البلاستيكية وينظم إنتاج وتداول واستخدام المنتجات ذات الاستخدام الواحد ويحظر استيراد أو إنتاج أو تداول أكياس التسوق البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد اعتبارا من 1 يناير 2024 على المستوى الاتحادي، متضمنة الأكياس البلاستيكية القابلة للتحلل، كما يحظر استيراد أو إنتاج أو تداول الأكياس ذات الاستخدام الواحد مهما كانت المواد المصنوعة منها، كذلك اعتبارا من 1 يناير 2024 أيضاً.
وفي السياق ذاته، واعتباراً من 1 يناير 2026 يحظر استيراد أو إنتاج أو تداول المنتجات البلاستيكية الاستهلاكية التي تشمل أكواب المرطبات وأغطيتها، وأدوات المائدة (الملاعق والشوك والسكاكين وعيدان الأكل)، والصحون، والماصات، وعيدان التحريك، ومستوعبات وعلب الطعام المصنوعة من مادة” الفوم” (Styrofoam).
كما دعا القرار جميع الجهات المعنية والسلطة المختصة والمستهلكين، إلى العمل على تنفيذ آليات وممارسات تخفض إنتاج واستهلاك المنتجات ذات الاستخدام الواحد، وتشمل العبوات ومواد التغليف المصنعة جزئيا أو كليا من مواد بلاستيكية بما في ذلك تلك المستخدمة في تغليف الأغذية والقوارير البلاستيكية وأعواد القطن وأكياس المقرمشات وأعقاب السجائر والمناديل المرطبة والبالونات وعيدان البالونات.
وعلى المستوى المحلي دشن عدد من الحكومات المحلية عملية تقنين وحظر استخدام الأكياس البلاستيكية، وذلك في إطار رؤية حكومة الإمارات لتعزيز الحياة المستدامة.
أما في إطار مشاركة دولة الإمارات في الجهود الدولية لمعالجة المشكلات البيئية، وقعت الدولة وصادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية البيئية مثل بروتوكول مونتريال بشأن المواد المستنزفة لطبقة الأوزون، ومعاهدة بازل بشأن مراقبة نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها، ومعاهدة الأمم المتحدة بشأن مقاومة التصحر، ومعاهدة روتردام بشأن الموافقة المسبقة للإتجار الدولي في أي مواد كيميائية خطرة أو مبيدات حشرية، واتفاقية ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وبروتوكول كيوتو المتعلق باتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي، وغيرها.