ضمن سلسلة إصدارات مهرجان أفلام السعودية في الدورة التاسعة هذا العام يطالعنا الكاتب والمترجم التونسي منير عليمي بترجمة لكتاب “الشاعر في مرآته… أندري تاركوفسكي”، يحتوي الكتاب على حوارات مختارة أُجريت مع المخرج الروسي أندري تاركوفسكي (1932 – 1986) الذي يعد رائداً من روّاد السينما الشعرية، إن لم يكن المؤسّس لهذا التيار والمعمّق لمجراه، وهذه الحوارات التي تغطّي زمنيّاً فترة اشتغال تاركوفسكي من أوائل الستينيات حتى مرحلة ما قبل وفاته بمدّة قصيرة، تشمل تجربة المخرج العظيم مع أفلامٍ وُصِفت يوماً بالغموض والنخبوية: (فيلم طفولة إيفان، فيلم أندريه روبليف، فيلم سولاريس، فيلم، ستالكر، فيلم المرآة، فيلم نوستالجيا).
فقد كانت أفلاماً مختلفة لا تُقدّم المعنى المعهود والمتوقّع، إنما تقدّم التأثير قبل كل شيء، مصحوباً بنظرة إنسانية عميقة تتناول الفرد والطبيعة فيما يشبه التناغم الروحاني، رغم الحاجة إلى النضال وعبور المواقف المؤلمة والحيرة الوجودية التي يقاربها تاركوفسكي ببصيرته الشعرية، وبعينه المتمهّلة وبترتيب التفاصيل المشهدية على نحوٍ لا يباريه فيه أحد.
الكتاب إبحار حواري، وعن قُرْب، مع مخرج ما يزال علامةً كبيرة في المشهد السينمائي العالمي، عبر حوارات تكشف فلسفته وآراءه في الساحة الفكرية والفنية في بلده والعالم، وصلته بمخرجين مؤثّرين وقريبين إلى ذائقته ورؤيته الإخراجية والفنية. وقد انتُقِيت هذه الحوارات من بين حوارات كثيرة نشرت في صحف غربية، لتقدم لمحة جديدة حول الفلسفة التي يتّبعها تاركوفسكي في أفلامه، وهي ليست إلا محاولة بسيطة -على حد تعبير المترجم- للغوص في تجربة إشكالية عميقة، تماماً كالشعر، حيث يكون الضياع هو العلامة الأولى على اندهاشنا.
من الجدير بالذكر أن منير العليمي مترجم وشاعر تونسي حاصل على جائزة أيام قرطاج الشعرية عن مجموعته “مقبرة على قيد الحياة”، وله العديد من الترجمات والإصدارات الشعرية.
يذكر أن مهرجان أفلام السعودية تبنى برنامجاً منتظماً لإصدار الكتب بأهداف مستدامة، بشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، وبدعم من هيئة الأفلام في وزارة الثقافة، وتنظيم جمعية السينما، وذلك بهدف رفد المكتبة السعودية والعربية بالكتب المتخصصة في مجال السينما، وستكون إصدارات هذه الدورة عن دار “جسور الثقافة للنشر والتوزيع”.