ما من شركة أو مؤسسة في العالم إلا وتحسب إنجازها حسب الربح الذي يتحقق، إلا في دولة الإمارات فإن الربح وعلى الدوام يُقاس بحجم العمل والإخلاص ومساحات التفاني التي تقدمها المؤسسة أو الشركة من جهة، وموظفوها وعمالها من جهة أخرى. وعلى ذلك بات تتويج أي شركة أو مؤسسة أو قطاع إماراتي بجائزة دولية أو إقليمية، أمراً مفروغاً منه، ومطروحاً للدراسة في بلدان أخرى تسعى للتطوير.
وتأتي دي بي ورلد، اليوم، في صدارة الجهات والمؤسسات العالمية الضاربة على كل أوتار التطور في عالم التجارة والتأثير، حتى غدت القطاع الذي يستلهم منه الآخرون، سواءً في نفس المجال أو في مجالات أخرى، وسواءً في الدولة نفسها أو في دول أخرى، البرامج التي تم انتهاجها، حتى تربعت هذه المؤسسة على عرش الريادة في التأثير والتجارة.
حين قررت دبي سلوك طريق المياه نحو العالم، كانت تدرك أن الموانئ هي الشريان لتحقيق ذلك، وعندها وضعت ثقتها بموانئها وبالقائمين عليها، وجلبت لها أحدث برامج الإبحار والنهوض في عالم الاستلام والتسليم القائم على المنهجية لا التقليدية والروتين، فتفجرت ينابيع الأرباح من تفجُر ينابيع الإخلاص والتفاني والصدق في العمل والتعامل.
واليوم، لا يُنظر إلى أي ميناء في دبي على أنه مجرد محط مائي، بقدر ما يُنظر له على أنه شريان حيوي، ولا يُنظر لأي مسؤول مينائي أو موظف أو عامل إلا نظرة أكاديمية تخولّه أن يكون سفيراً للاقتصاد الإماراتي عامةً واقتصاد دبي خاصةً. وبالتالي، لا يعود غريباً أن تحصد “دي بي ورلد” جائزة مشغل الموانئ الأفضل للعام 2020، وذلك في حفل الجوائز الضخم ( لويدز ليست) لجنوب آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.
فحتى وصلت دبي إلى هذه المكانة، نجحت في قطاع الموانئ، لأنها برمجت المياه على أنها مكان لا يقتصر فيه النشاط على النقل أو الربح أو السياحة أو الاستجمام، بل مكان لتلاقي الثقافات على امتداد هذا الكوكب. ومن هنا، وبصورة ملزمة، بات القائد المينائي أو الموظف أو العامل في أي ميناء في دبي، يدرك أن وصول السفن إلى مراسي دبي لا يعني أنها تحمل بضائع بقدر ما تحمل أفكاراً مرسلةً من شعوب وثقافات وحضارات أخرى. وبعد هذا التلاقي والتبادل الفكري والأخلاقي، يبدأ النشاط التجاري وحسابات الربح، والتي تأتي في سلم الأولويات في الترتيب الرابع أو الخامس.. إلخ.
ليس سهلاً على أي ميناء في العالم، أن يتبادل البضائع مع سبعين ألف سفينة تنتمي إلى عشرات الدول، لأن تحقيق هذا الكم الهائل يحتاج إلى الكثير من الأساطيل، ولكنه سيسهُل، حين يوضع الفكر التجاري على برامج ما بعد الحداثة، وهذا ما فعلته دبي في موانئها، إذ جعلت هذا العدد الهائل من السفن يتأثر بنمط دبي وأسلوب حياتها وتفكيرها، قبل أن يكون التفكير بالتأثير أو التأثر الاقتصادي أو الربح المالي.
معروفٌ تاريخياً، أن موانئ دبي كانت من أعرق الموانئ العربية منذ الماضي البعيد، وفي العام 2005 تأسست “دي بي ورلد” من خلال دمج “هيئة الموانئ” بــ ” موانئ دبي الدولية”، وبثوب عصري لا سابق له، لكن هل تمت القطيعة بين الموانئ العالمية المستحدثة وبين الماضي؟ بالتأكيد لم يحدث هذا، كيف والأفكار القائمة في هذا القطاع قائمة على تبادل الثقافات؟
لقد استلهمت الإدارة العصرية كل أفكار الماضي لموانئ دبي القديمة وحدثتها بأطر أكاديمية، جعلت التقاء ماضي دبي بحاضرها ومستقبلها أمراً ظاهراً لكل العالم، فتأثر الأخير ( العالم) وحققت موانئ دبي هدفها الأسمى.
اليوم ومن خلال “دي بي ورلد” باتت إمارة دبي مربوطة بكل بقاع العالم (البحرية والبرية)، ويعتبر اقتصادها البحري الأول في العالم، كما وباتت أي مناقصة بحرية دولية تذهب إلى دبي لدراستها قبل تنفيذها، وكل هذا بفضل الربح الفكري والثقافي والحضاري والعصري الذي سبق الربح المادي بأشواط وأشواط.