وفقًا لبيانات من بورصة موسكو في روسيا، ارتفع سعر صرف العملة الروسية الروبل مقابل الدولار الأمريكي فوق 81 إلى 1 في 1 أبريل مسجلًا أعلى مستوياته منذ 23 فبراير، وهذا يشير إلى أن سعر صرف الروبل مقابل الدولار الأمريكي عاد إلى مستواه قبل أن تفرض الدول الغربية عقوبات على روسيا بعد اندلاع الصراع الروسي الأوكراني بعد ركود قصير الأمد.
خلال شهر مارس الماضي شهد سعر صرف الروبل تقلبات هائلة عقب اعلان الجانب الروسي عن بدء عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا في 24 فبراير، حيث بدأ الروبل في اظهار علامات انخفاض سريعة في قيمة العملة وتراجع سعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي إلى أقل من 80 إلى 1 في نفس اليوم، ثم استمر في التراجع بوتيرة سريعة تمامًا، وفي 9 مارس انخفض مرة واحدة إلى ما دون 120 إلى 1 وهو مستوى قياسي منخفض، لكن في أواخر مارس انتعش الروبل بشكل كبير مقابل الدولار.
يعتقد محللون سوق تداول العملات أنه في ظل الوضع الجيوسياسي المعقد، يمكن عكس اتجاه سعر الروبل في فترة زمنية قصيرة نسبيًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى ثلاثة عوامل.
ثلاث عوامل مؤثرة داعمة للروبل
أولاً: البنك المركزي الروسي يتخذ العديد من الإجراءات
اتخذت الحكومة الروسية عددًا من الإجراءات لتحقيق الاستقرار في السوق المالية المحلية، في مواجهة العقوبات المالية المتصاعدة من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى اتخذ البنك المركزي الروسي سلسلة من الإجراءات المضادة بما في ذلك رفع سعر الفائدة القياسي إلى 20% وتقييد الودائع الشخصية بالعملات الأجنبية وسحب الحسابات وإجبار الشركات على بيع معظم أرباحهم من النقد الأجنبي، وحظر الأشخاص غير المقيمين من سحب الأموال النقدية بالعملات الأجنبية الرئيسية مثل الدولار الأمريكي بشكل مؤقت، وتعليق مستثمري الأوراق المالية عن قبول المستثمرين الأجانب لبيع الأوراق المالية الروسية.
يعتقد المحللون أن سلسلة الإجراءات التي تم اتخذها من قبل البنك المركزي الروسي ساعدت في تقليل الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلية والحد من تدفق الأموال المحلية، مما قلل من الضغط على تخفيض قيمة الروبل.
ثانيًا: المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا أحرزت تقدمًا إيجابيًا
في 29 مارس عقدت روسيا وأوكرانيا جولة جديدة من المفاوضات وجهاً لوجه في اسطنبول بتركيا، وقد وعدت روسيا بتقليص العمليات العسكرية بشكل كبير في العاصمة الأوكرانية كييف، واقترحت أوكرانيا إقامة الحياد بموجب ضمانات الأمن الدولية، بعد المفاوضات تعزز الروبل أكثر.
لقد فرضت الشكوك الجيوسياسية الهائلة والعقوبات الغربية ضغوطًا هبوطية على الروبل، في حين أن التقدم الإيجابي في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا يفضي إلى تخفيف حدة الصراعات واستقرار الوضع، وبالتالي تعزيز استقرار وتقوية سعر صرف الروبل.
ثالثًا: الجانب الروسي يطلق “أمر تسوية الروبل” للغاز الطبيعي
أعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في 23 مارس أنه عندما تزود روسيا الغاز الطبيعي لدول ومناطق “غير صديقة” مثل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فإنها ستتحول إلى استخدام الروبل في التسوية، بعد نشر الخبر قفز سعر صرف الروبل مقابل الدولار إلى أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع، في 31 مارس وقع بوتين المرسوم الرئاسي ذي الصلة ودخلت اللوائح الجديدة حيز التنفيذ في 1 أبريل.
إن استخدام الروبل للتسوية يمكن أن يقلل تكاليف المعاملات الروسية ويحافظ على الإيرادات في روسيا، مع تقليل رغبة السوق الدولية في خفض قيمة الروبل، وتعتبر هذه الخطوة هي إجراء مهم اتخذته روسيا لتحقيق الاستقرار في سعر صرف الروبل تحت ضغط العقوبات، خاصة وأن أوروبا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغاز الروسي وسيؤدي استخدام الروبل لتسوية تجارة الغاز إلى زيادة الطلب الدولي على الروبل، في المستقبل يمكن أيضًا تسوية صادرات روسيا من النفط والمعادن والسلع الأخرى بالروبل.
فتح 10 مشترين أوروبيين للغاز حسابات بالروبل
في بداية شهر مارس انخفض الروبل أمام الدولار الأمريكي إلى أدني مستوياته على الإطلاق عند 154، ولكن الروبل يقوم الآن بهجوم مضاد بانعكاس على شكل “V”، اعتبارًا من إغلاق في 27 أبريل ارتفع الروبل إلى 72.78 أمام الدولار وارتفع أمام اليورو إلى 75.2، والأهم من ذلك، سجل الروبل أعلى مستوى له مقابل اليورو منذ مارس 2020.
إلى حد ما لم تنجح “الحرب الاقتصادية الخاطفة” التي قامت بها دول الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، كما حققت روسيا أيضًا نصراً كبيراً، فمع اقتراب الموعد النهائي لأمر تسوية الروبل بدأ العديد من المشترين في أوروبا “يشعرون بالضعف” بالفعل، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام فتح 10 مشترين أوروبيين للغاز حسابات بالروبل مع Gazprombank، وقرر 4 مشترين أوروبيين للغاز التسوية بالروبل.
يتوقع المحللون أن المزيد من مشتري الغاز الأوروبيين قد يمتثلون لأمر تسوية الروبل الروسي في المستقبل، بغض النظر عن مدى ادعائهم لمقاطعة الطاقة الروسية، من المحتمل جدًا أن يقوم العديد من مستوردي الطاقة بتقديم تنازلات.
أدى أمر تسوية الروبل إلى زيادة الضغط بشكل كبير على الدول التي تعتمد على الطاقة الروسية وخاصة ألمانيا والنمسا، حيث يأتي 40% من الغاز الطبيعي الألماني من روسيا وإذا انقطع الإمداد تمامًا سينكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 5%، ونحو 80% من الغاز الطبيعي في النمسا يأتي من روسيا، هناك احتمال كبير أن يقبل هذان البلدان أوامر التسوية بالروبل.
الخطوة التالية هي رؤية ما ستفعله الولايات المتحدة
بمجرد اندلاع الحرب كان سوق الأوراق المالية الروسي أول من أغلق، وفي الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة والدول الصديقة عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، انخفض الروبل إلى 157 لكل دولار الذي كان قبل الحرب عند حوالي 68.
لقد كان أقوى العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد روسيا هي آلية التبادل الدولي سويفت والتي تشمل أيضًا الحظر المفروض على النفط والغاز الطبيعي، في الوقت نفسه، فإن أصول الأوليغارشية وأباطرة المال الروس مقيدة وهو ما يمكن أن يقال إنه خطير.
من الناحية النظرية، لن يتعافى الاقتصاد الروسي أبدًا، بعد هبوط سوق الأسهم الروسي بشكل حاد لم يستطع الارتفاع، لكن الروبل عاد تقريبًا إلى السعر قبل الحرب، ارتفع الروبل إلى حوالي 76 وهذا يعني أنه أقوى مما كان متوقعًا.
اتضح أن رئيسة البنك المركزي الروسي قدمت المشورة لبوتين، وطالبت الدول في جميع أنحاء العالم باستخدام الروبل لشراء النفط والغاز الطبيعي، بل وربما التوسع في المنتجات الزراعية والمعادن النادرة.
إلى متى ستستمر الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟ طالما نظرت إلى اتجاه الروبل يمكنك توقع ما سيحدث، فإذا كان الروبل قوياً فهذا يعني أن روسيا لا تزال قوية في مبادلة النفط والغاز الطبيعي بالأموال، وقد تستمر الحرب لفترة طويلة، في هذه الحالة، فإن الخطوة التالية هي أن ترى كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة؟.