خاص الإمارات نيوز- علي العجمي
انطلق، مساء الجمعة، في مدينة أصيلة شمالي المغرب، موسم أصيلة الثقافي الدولي الحادي والأربعين، في حفل رسمي أقيم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية، وذلك بمكتبة الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود في المدينة.
وبهذه المناسبة، أجرى موقع “الإمارات نيوز” حوارًا مع الأمين العام لمنتدى أصيلة، محمد بن عيسى، وهو البرلماني والمفكر المرموق، الذي شغل سابقًا منصب وزير الخارجية والتعاون الدولي، ووزير الثقافة في المملكة المغربية، وهو الآن يشغل رئاسة المجلس البلدي في مدينة أصيلة.
* نبدأ من موسم أصيلة الثقافي الدولي الذي بلغ عامه الحادي والأربعين، مكرسًا مسيرة حافلة من الإبداع في خدمة الفكر والثقافة عربيًا وعالميًا، ما رؤيتك لهذه التظاهرة، وما مدى إيمانك باستمراريتها؟
– الحقيقة أن موسم أصيلة هو مشروع وليس فقط مهرجاناً أو احتفالاً عابراً. نحن منذ 41 سنة، حين بدأنا كان لدينا تصور واضح، كنا نريد أن نوظف الثقافة والفن كمورد لتحفيز الناس واستقطاب سبل الاستثمار في البيئة الاجتماعية والثقافية في المدينة . نحن بعد 41 سنة نرى أن أصيلة تغيرت، لأنه من خلال هذه المواسم وإبراز أرضية التحاور والتفاهم بين النخب المختلفة والمبدعين من جميع أنحاء العالم، استطعنا أن نجذب إلى المدينة كثيراً من المرافق عن طريق الدولة والبلدية، والمساعدات الكبيرة التي ساهمت بها صناديق التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة.
* هذه الصناديق التي تتحدث عنها، ساهمت بدعم موسم أصيلة كتظاهرة ثقافية، أم كانت مساعداتها لمشاريع إنمائية في المدينة؟
– الاثنان معاً.. لقد أسهمت تلك المساعدات في دعم استمرارية المنتدى، وفي إرساء وتطوير البنية التحتية، هذا المكان الذي نجلس فيه الآن، مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية هو هبة من جلالة السلطان قابوس، بينما اعتمد جلالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة دعماً سنوياً لمدينة أصيلة. ولدينا “مكتبة بندر بن سلطان” هي هبة من الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود. وهناك مدرستان إعدادية وثانوية وثلاث ابتدائية نقوم ببنائها حالياً هي هبة من صندوق التنمية في المملكة العربية السعودية.
الكويت شيدت دار الصباح للتضامن، وتساهم كذلك في دعم فعاليات الموسم الثقافي، كما بنينا 600 شقة لإيواء الساكنين في بيوت الصفيح، مولتها دولة الإمارات وجزء منها قطر. نبني الآن متحفاً ومدرسة للفنون الجميلة والتصميم بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية، الذي قام بتمويل المحطة الطرقية، كل هذه المشاريع التي ذكرتها، تشهد بأن الأشقاء العرب في صدارة من ساهموا وقدموا الهبات، إضافة إلى الدولة المغربية بطبيعة الحال، وكذلك جانب القطاع الخاص، فالرأسمال المغربي أيضاً قام ببناء عدد من الفنادق في المدينة.
*الموسم يستضيف سنوياً مفكرين وفنانين وإعلاميين وفرقاً فنية من أنحاء العالم، والحدث يستمر على مدى أسبوعين، وطبعاً هناك تكاليف السفر والضيافة، ألم تفكروا باستقطاب رعاة للحد من الأعباء المالية، أم أنهم ينكفئون عن رعاية مثل هذه التظاهرات الجادة؟
– ما ذكرته سابقاً عن أشقائنا في دول الخليج العربية، هو ريع ورعاية وكذلك جلالة الملك محمد السادس هو في مقدمة من دعم هذا الموسم منذ بداية عام 1978، وكان عمره في ذلك الحين 15 سنة. قدم إلى هنا وبقي يترأس افتتاح الموسم إلى أن أصبح ملكاً.. كان ولي العهد والرئيس الشرفي لموسم أصيلة. وإلى الآن لا يزال الموسم تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس.
وغني عن القول، إن عدداً من الهيئات المغربية تدعم الموسم سنوياً، وهذا البناء والتطور الذي شهدته المدينة طوال السنوات الماضية يثبت أهمية النشاط الثقافي والفني والاجتماعي الذي لم يعد مقتصراً على الصيف، إذ تنظم على مدار العام الندوات واللقاءات والمؤتمرات للأطباء والمهندسين والصيادلة، والأنشطة الشبابية وغيرها.
*وهل هذه الأنشطة والفعاليات لها علاقة بمؤسسة منتدى أصيلة؟
– طبعاً، منتدى أصيلة هو الذي يقوم على تنظيم هذه المؤتمرات، وهي فعاليات تساهم في تنمية الحركة التجارية والسياحية من خلال الوفود المشاركة. من هنا أقول إن الثقافة والفن كما ذكرت في بداية حديثي، مورد ومحفز لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والحمد لله، نحن نبني حالياً المنطقة الصناعية على مساحة 60 هكتاراً، كما يجري تطوير ميناء الصيد البحري، بينما نسعى إلى بناء مارينا سياحي أيضاً.
*انطلاقاً من العلاقات الوثيقة مع دول الخليج العربي، معروف أن موسم أصيلة كانت له تجربة مشتركة مع البحرين، هل تفكرون في تنظيم هذا الحدث السنوي مع مدن أخرى في العالم العربي كنوع من التوأمة؟
– الحقيقة هذه كانت فكرة جلالة ملك البحرين، تنظيم ما يشبه موسمي الشتاء والصيف.. الشتاء في البحرين والصيف في أصيلة. وقمنا بالفعل بتنظيم ملتقى في المنامة، وكنت وقتها وزيراً للخارجية والتعاون الدولي، والحقيقة لم يكن وقتي يتيح لي متابعة هذا المشروع. يومها لم يكن توأمة بل كان شكلاً من أشكال التعاون، والحمد لله لا نزال حتى الآن على علاقة متينة مع البحرين ويشارك معنا سنوياً أدباء وفنانون ومفكرون وإعلاميون من هذا البلد الشقيق.
من جانب آخر، أقمنا توأمة مع مدينة العين وننتظر أن نلتقي هنا أو في العين لنحدد برنامج وأوجه التعاون بين المدينتين.. كذلك هناك تعاون مع هيئة الآثار والسياحة في السعودية التي يرأسها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، ومعنا الآن في أصيلة 20 متدرباً في ترميم الآثار، من البحرين والسعودية وسلطنة عمان وغيرها.
بصراحة، أنا لست من دعاة التوأمة، أفضّل أن يكون هناك اتفاقيات للتعاون. هناك حالات توأمة كثيرة وهي عبارة عن مراسم شكلية وتبادل زيارات يعني فيها جانب سياحي واضح. وفي رأيي أن عقد اتفاقية بين بلديتين يعد أكثر فعالية، إذ يفضي إلى تبادل الخبرات وفي مختلف القطاعات.
* لو تحدثنا قليلاً عن “جامعة المعتمد بن عباد الصيفية”، وظروف نشأتها، والأهداف التي تسعى إليها هذه المبادرة؟
– نحن إلى جانب الموسم أسسنا “جامعة المعتمد بن عباد الصيفية”، وهي عبارة عن برنامج بحثي، عبارة عن ندوات ولقاءات تجمع سياسيين ورؤساء دول ووزراء وخبراء ومفكرين وباحثين من مختلف أنحاء العالم، وخاصة من العالم العربي وأفريقيا وأميركا اللاتينية نحن من دعاة التعاون “جنوب – جنوب” ، وفي كل دورة من دورات الجامعة ، نحدد للمناقشة والتحليل بعض المواضيع والمحاور حول قضايا الساعة.. خلاصة القول، إن برنامج جامعة المعتمد بن عباد الصيفية يحمل كل عام هموم القضايا الراهنة في بلدان ما يسمى “الجنوب”، وهنا تكمن أهميته الفكرية والإنسانية.
*ما الأبرز والجديد في برنامج الموسم هذا العام؟
طبعا العمود الفقري الذي بدأنا به أصيلة هو الفن التشكيلي، مشاغل الفنون التي يشارك فيها فنانون من مختلف أنحاء العالم، العنصر الثاني هو جامعة المعتمد بن عباد الصيفية التي أطلقناها إلى جانب الموسم وهي عبارة عن برنامج بحثي، يحمل كل عام هموم القضايا الراهنة في بلدان ما يسمى “الجنوب” في العالم العربي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهنا تكمن أهميته الفكرية والإنسانية. وتنظم الجامعة سنوياً ندوات ولقاءات عدة، وهذا الموسم يتضمن البرنامج فعاليات نقاشية كبرى حملت عناوين: “عبء الديمقراطية الثقيل”، و”التنمية المستدامة وإكراهات دول الجنوب”، “التماسك الاجتماعي والتنوع في نظم التعليم العربية”.
وإضافة إلى ما ذكرت، هناك السهرات الموسيقية خمسة أيام لأفريقيا، كذلك نسترجع بحنين ماضي ما قمنا به في المواسم الأولى في اًصيلة، أي الأمسيات الشعرية التي ستضم مجموعة من الشعراء الكبار ومن الجيل الجديد في العالم العربي.
* أخيراً، هل يؤثر الدعم الذي تتلقاه مؤسسة منتدى أصيلة على استقلالية الموسم وتوجهاته؟
منذ أن انطلق موسم أصيلة قبل واحد وأربعين عاماً، قررنا أننا لن نخضع لتأثير أي كان. فضيلة الحرية وعدم الانتماء إلى توجّه محدد كانت دائماً العمود الفقري لكل المواسم والأنشطة الثقافية التي تقام في أصيلة طوال العام وليس فقط خلال الصيف.
بهذا المعنى، مدينة أصيلة باتت عبارة عن برلمان شعبي يأتيها الناس من كل حدب وصوب ويتحدث كل واحد كما يشاء بكامل الحرية والمسؤولية. فالحرية دائماً تكون في نطاق المسؤولية. ونحن في مواسم أصيلة نتفادى أن تتحول ندواتنا إلى محاكم تصدر أحكامها ضد هذا أو ذاك من الأنظمة. وبطبيعة الحال، كنا نتلقى مساعدات وخاصة حين تكون الدولة ضيف شرف، كما حصل مع سائر دول مجلس التعاون الخليجي، كلهم ساهموا إما في تكاليف السفر والإقامة والترجمة والإقامة وغير ذلك.
ولا أخفيك سراً أن التمويل نتلقاه حالياً من داخل المغرب، وفي المقدمة من الدولة ممثلة بوزارتي السياحة والثقافة، وكذلك المصارف والمؤسسات المالية في المملكة. قد لا يكفينا بالتمام والكمال ما نتلقاه لكننا تعودنا على أن تكون علينا بعض الديون، نتولى معالجتها خلال الأشهر التالية من العام.