فتح مسرح قصر فونتينبلو الإمبراطوري، في العاصمة الفرنسية باريس، أبوابه مجددًا، بعد انتهاء أعمال الترميم والتجديد الشاملة التي استمرت لسنوات بتمويل من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي.
وشهد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، مراسم الافتتاح الرسمي لمسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان “مسرح قصر فونتينبلو الإمبراطوري”، فيما أطلقت الحكومة الفرنسية اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” على المسرح تقديرًا وعرفانًا بمساهمة دولة الإمارات في إحياء هذا الصرح التاريخي العريق.
وتأتي أعمال ترميم المسرح وإعادة الحياة لهذا الجزء المهم من تاريخ فرنسا في إطار اتفاقية تعاون ثقافي بين إمارة أبوظبي والحكومة الفرنسية تم توقيعها عام 2007 وتضمنت إنشاء اللوفر أبوظبي ومبادرات دولية منها انعقاد المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر عام 2016 في أبوظبي وتأسيس التحالف الدولي لحماية التراث الثقافي في مناطق النزاع “ألف”.
واكتملت المرحلة الأولى من أعمال الترميم في شهر أبريل 2014 وشهدت تجديد قاعة المسرح الرئيسية، بمشاركة 25 خبيرا و135 حرفيا عملوا على استعادة تصميماته الداخلية وديكوراته الأصلية. وبدأت المرحلة الثانية خلال شهر يونيو 2017 وشملت تركيب وتثبيت الآلات والأنظمة التشغيلية وصيانة الأرضيات وتجديد زخارف المقصورات العلوية وخشبة المسرح التي أقيم فوقها أهم الأعمال المسرحية وعروض الأداء الفرنسية.
وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن افتتاح هذا المسرح التاريخي في قصر “فونتينبلو” الذي يحمل اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” يعد تجسيدا حقيقيا للتعاون الوطيد بين المؤسسات الثقافية من أجل الحفاظ على التراث وهي ركيزة علمنا إياها مؤسس دولة الإمارات المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” ويترجم أيضا عمق العلاقات الدبلوماسية التي تربطنا بأكثر من 187 دولة حول العالم نجحت خلالها الإمارات في بناء منظومة متكاملة لمستقبل واعد كما يعكس حرص دولة الإمارات على صون المواقع التراثية والثقافية حول العالم.
وقال سموه، في كلمته خلال حفل الافتتاح: “يعد هذا الصرح العريق الذي يعود اليوم للعالم بكامل ألقه وفنه بعد فترة إغلاق تجاوزت الـ 100 عام من مكونات التاريخ الفرنسي الذي يمثل جزءا جميلا وعريقا من التاريخ الإنساني حيث طالما عملت دولتنا على تقديره من خلال مشاريع إماراتية فرنسية مشتركة انطلاقا من إيماننا العميق بدور الفنون في بناء الحضارات”.
وأضاف: “يأتي هذا الحدث تعبيرًا عن التعاون الثقافي بين دولة الإمارات والجمهورية الفرنسية في مجال حفظ التراث الثقافي في إطار الاتفاقية الحكومية بين إمارة أبوظبي والجمهورية الفرنسية المستمرة منذ عام 2007 التي كان افتتاح متحف اللوفر أبوظبي عام 2017 في المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات أحد ثمارها”.
وقال سموه: “يعتبر هذا المسرح التاريخي في “قصر فونتينبلو” المدرج على لائحة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو أحد أهم القصور الملكية التي تعاقب على سكنه 34 ملكا وإمبراطورا فرنسيا من بينهم نابليون الثالث إمبراطور الإمبراطورية الفرنسية الثانية في القرن التاسع عشر لكن العبرة ليست في المكان بل بما يمثله من قيم إنسانية نحتاج لاستذكارها اليوم حتى لا نكرر أخطاء الماضي فالثقافة بمنتجاتها المختلفة كالرواية والشعر والمسرح والموسيقى والسينما والفلسفة والتراث وغيرها هي الرابط الإنساني الأقدر على البقاء والاستمرار عبر التاريخ وهي القماشة التي ترقع ثوب الإنسانية كلما مزقته الحروب والتطرف والإرهاب”.
وتابع سموه : “بالنسبة لنا في دولة الإمارات فإن صيانة التراث والحفاظ عليه وإعادة تقديمه للأجيال الجديدة بشكل لا يمس بأصالته يعد قيمة عليا تنتهجها القيادة الحكيمة في مختلف المجالات فلا يمكننا أن نحدث الناس عن التسامح دون أن نبين لهم أهمية احترام الاختلاف والاحتفاء بالتنوع فالزائر إلى متحف ما لا يملك إلا أن يدرك بأن البشرية لم تتطور وتتقدم إلا بسبب تنوع إنتاجاتها المعرفية وتركيباتها الاجتماعية .. وهنا أتذكر الفيلسوف الفرنسي “ميشيل دي مونتين” الذي تتزين إحدى جدران اللوفر أبوظبي بنصوصه التي تحضنا على التسامح ما ميز هذا الرجل الذي عاش في القرن السادس عشر أنه اكتشف أن الإنسان لكي يتجاوز تطرفه وأحقاده تجاه الآخرين إن عليه أن يغوص في أعماق نفسه أولا ليكتشفها وينشغل بها.. حينها فقط يتمكن أحدنا من كتابة قصيدة أو رسم لوحة أو تلحين معزوفة جميلة ترتقي بالنفس البشرية في مراتب المحبة والتآخي وحينها فقط يصبح الإنسان فردا فاعلا في مجتمعه منيرا في الحياة وتكتمل إنسانيته”.
وواصل “يقول مونتين .. “لا توجد في الدنيا بذرتان متماثلتان وفي الحقيقة فإن التنوع ميزة مطلقة” ولهذا نحن هنا اليوم لنقول للعالم إن قبولنا بالتنوع ليس كرما منا بل هو حاجة ملحة للمجتمعات البشرية، التي تعاني اليوم من الصراعات والكراهية تماما مثلما عانت أيام مونتين من حروب طائفية أدت إلى مذابح مرعبة”.
وأكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات التي تقف بجانب الشعوب التي تعاني من الكوارث الطبيعة وويلات الحروب بغض النظر عن أعراقها وأديانها هي ذات الدولة التي تقدر التاريخ والفن والجمال في كل أنحاء العالم وتسعى بكل إمكانياتها للحفاظ عليه وقد تجلى هذا من خلال أعمال ” المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر” الذي أقيم في أبوظبي عام 2016 بجهود إماراتية فرنسية، حيث أعلن خلاله عن مبادرة إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي في مناطق الصراع بهدف دعم عمليات تمويل التراث الثقافي وترميمه وإنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة لحماية وحفظ الممتلكات الثقافية المهددة بالخطر.