بقلم: أمينة خيري
يس من رأى كمن سمع. والسمع عن الإجراءات الاحترازية والخطوات الوقائية المتبعة في دبي منذ ظهور «كورونا» ليس كمن رأى وانخرط وعاش التجربة بنفسه على مدار أيام.
طيلة أسبوع كامل لا أتذكر أنني رأيت أنفاً واحداً باستثناء المطاعم والمقاهي، التي اضطررت للانتظار أمام بعضها، حتى تتاح طاولة رغم اتساع المساحات وتوافر المقاعد والطاولات. إنها إجراءات التباعد الاجتماعي، أو فلنقل التباعد الجسدي الذي لم يفسد للتفاعل الاجتماعي قضية ولله الحمد. النشاط والحراك عادا للمراكز التجارية ولكن بقواعد جديدة صارت تدريجياً طبيعية، لا تزعج الغالبية أو تكدر صفو حياتها. فأن يصبح تواجدك في الفضاء العام مشروطاً بكمامة خير من أن تحبس في البيت أو تحجر في محل إقامتك. وأن تلتزم عدداً محدوداً من أفراد الأسرة أو الأصدقاء لتتسوق أو تتنزه معهم، خير ألف مرة من أن تبقى وحيداً فريداً في البيت وحدك.
المواصلات العامة مزدحمة في أوقات الذروة. لكن الوعي العام عالٍ. تجد الركاب وقد أوشكوا على التقارب، فيرتفع أنف كل منهم بحثاً عن اتجاه معاكس. مستخدمو السلالم الكهربائية والمصاعد يتباعدون من تلقاء أنفسهم. البعض ينبه أقرانه إلى الرجوع للخلف قليلاً حتى يحافظ على المسافة الآمنة المطلوبة. ولا أحد يعترض أو يسخر. الغالبية باتت تعي أن أحداً لن يتمتع بالأمان إلا لو اتبع الجميع إجراءات الأمان. فهي ليست فقط ضماناً للصحة، ولكنها أيضاً ضماناً للعودة للحياة والحفاظ على لقمة العيش.
العيش في دبي يرتبط باحترام القواعد والقوانين. وهو احترام يرتبط بشكل كبير بالثقافة والمعرفة والوعي من جهة، والحب والانتماء من جهة أخرى، وذلك أكثر من كونه يقتصر على الخوف من العقوبة في حال تم خرق القانون أو ضرب عرض الحائط بالقواعد. والحق يقال إن عدالة تطبيق القوانين تبدأ بعدالة المعرفة والإخبار والإعلام المستمرة. هذه ضمانات تتيح للجميع حق المعرفة الذي يجعل واجب الالتزام لا جدال فيه، بالإضافة لعملية التحديث المستمرة للتعليمات والقواعد، إذ يجري تعديل بعض القواعد – تيسيراً أو تشديداً – بحسب الوضع الوبائي وتطوراته.
ولا يخلو رصيف أو محل تجاري أو مصعد أو عربة مترو أو مدخل مبنى أو مكان عمل أو محطة باص وغيرها من تنويهات وعلامات ضرورة الحفاظ على التباعد الجسدي. ولا تخلو وسيلة نقل عام أو مكان انتظار من علامات إبقاء مقاعد بعينها خالية تحقيقاً لمبدأ التباعد. كما لا يخلو ركن أو مدخل أو دورة مياه أو «كاونتر» بيع أو تقديم خدمة من مطهر موضوع في مكان ظاهر يحمل عبارة مشجعة للجميع لتجديد تطهير اليدين.
كما أن الإعلان عن إغلاق محل أو ناد صحي أو توقيف شخص لخرق قواعد التباعد اللازمة لحماية الجميع أمر بالغ الأهمية، لأنه يرسل رسالة قوية فحواها أن القانون يطبق فعلاً لا قولاً أو تهديداً. والأمثلة كثيرة، ولعل أشهرها المطعم الذي تم إغلاقه خمسة أيام بعد ما تجمهر الرواد حول الفنان المصري محمد رمضان، في مخالفة واضحة للبروتوكول الصحي المتبع للوقاية من «كوفيد 19».
«كوفيد 19» لم يكتف بإجبار البشرية على إعادة ابتكار بدائل للحياة وخوض مسارات جديدة أو كانت حتى وقت قريب اختيارية ثم أصبحت إجبارية، بل ساهم في إعادة تصنيف الدول. فإذا كان الوباء وما تسبب فيه من إغلاق أماكن عمل وترفيه وأكل وشرب ومؤسسات تعليمية وغيرها مؤدياً إلى تسارع خوض مضمار الحياة الرقمية بشكل أو بآخر، فإنه (الوباء) أدى أيضاً إلى إعادة تصنيف دول العالم بناءً على قدراتها في مواجهة الوباء والتعامل مع الواقع الجديد.
الواقع الجديد ينص على أن التطعيم ضد «كوفيد 19» في القلب منه. وحتى يوم 17 الجاري، بلغ عدد من تلقوا الجرعة الأولى 77.6 في المئة من السكان، ومن تلقوا الجرعتين 68.1 في المئة، وهو ما يصل بمجموع جرعات اللقاح إلى ما يزيد على 16 مليون جرعة! أما عدد الفحوصات التي تم إجراؤها فبلغ نحو 63 مليون فحص. يشار إلى أن نسبة من تلقوا اللقاح في العالم لا تزيد على 13 في المئة فقط من سكان الأرض.
القدرة على العودة إلى الحياة الطبيعية بمقاييسها الجديدة، وشعور الناس بأنهم ما زالوا على قيد الحياة الاجتماعية ولو بقيود، وليس قيد القدرة على البقاء أحياء فقط باتت من أهم معايير نجاح الدول في مواجهة الوباء والتعامل مع الفيروس.
وما رأيته وعايشته في دبي يشير إلى تمكنها في العودة بسكانها إلى الحياة الطبيعية الجديدة. ويكفي أنك حين تتحدث مع الناس يخبرونك عن سعادتهم وامتنانهم لأنهم يحظون بنعمة العودة إلى الحياة والعمل والتعليم والتنقل باحتراز. برافو دبي!