متابعة : رهف عمار
حين تسمع بروايات الحبّ والعشق، يُخيَّل إليك أنك ستقرأ رواية عاطفية تقليدية. لكن الكاتب اللبناني مجد زاهر، اخترق حدود بيروت وجدرانها بقصّة حبّ من نوع آخر، هي خروج عن نمطية الكتابة، لكنها ليست خروجاً عن الواقع بل انقلاب على مجتمع ظالم ومتنمّر، لا يقبل التنوّع ويهين الانتماءات ولا يحضن الاختلاف.
الكتاب ليس مجرد رواية عاطفية، بل هو دروس وعبر. وليس بالضرورة أن تكون النهايات سعيدة، فقد شاء الكاتب أن يأخذ القارئَ نحو مسارات غير متوقّعة كما طبيعة القصّة.
يقدّم مجد نثراً غنائياً خاماً، واستنتاجات عميقة حول الحب والمجتمع. يتحدّث عن أولئك الذين أحبّوا، وخسروا، وكافحوا ليجدوا طريقهم في عالم يرفض تقبّلهم. يعتمد على دوامة العاطفة بدلاً من النقاط السردية القابلة للتنبؤات، وبدلاً من النهايات السعيدة يطرح الكاتب رسائل من الحياة.
يدرك الكاتب في حديثه لـ”النهار”، أنّ الكتابة هي تحدٍّ يهدف إلى التغيير. ويعالج بين صفحات روايته قضايا تقبّل الآخر والصحّة النفسية وعلاقتها بالتنمّر. نبعت فكرة القصّة من رسالة مضمونها عدم جواز تهميش أيّ فرد من المجتمع أو الاستخفاف بمشاعره، بغضّ النظر إذا كنت معه أو ضد توجهاته، مظهره، دينه، جنسه أو أيّ شيء.
تخاطب رواية Borderline Love in Beirut أيّ شخص عانى يوماً من الوقوع في الحبّ. ويركّز الكتاب على شخصيات من نسج الخيال، ولكن جذورها ممتدة إلى الحياة التي نعيشها كلّ يوم. استفاد مجد مما عاشه في صغره من تنمّر وضغط نفسيّ وافتقاره إلى الدعم النفسي، ليكتب بصدق عن معاناة أدوار الرواية.
ربما لم يسرد مجد قصّة مرويّة مباشرة من أناس سألهم وأجابوه، ولكنها مخاض من التجارب التي يعيشها الفرد وما يسمعه عن آلام الحبّ والعشق، عن اللقاء والفراق، عن اعتياد الرحيل والانتحار، في جملة من الاضطرابات العاطفية التي يندمج فيها الحبّ والخسارة، العاطفة واللامبالاة، والعزلة والقبول.
ينحدر أحد الأبطال من قرية صغيرة محافظة إلى حدّ ما، ويلتقي طرفه الآخر في الجامعة في بيروت، وتصبح حياتهما متشابكة بشكل لا ينفصل. يلتقي الطرفان عاطفياً، ولكنّ مساراً متهوراً يعوق سعادتهما، ما يقود القارئ في النهاية إلى متاهة من العواطف وبحر من الخيارات الفوضوية التي تؤثر على نهاية القصّة، ولا تجعلها كنهايات قصص الحب المعتادة.
مع تطوّر أحداث القصّة، تفتقر الشخصيّتان إلى الدعم من مجتمعهما وفهم المحيط من الأصدقاء ومن يحبّون. تبدأ عواقب تجاربهما في التأثير بشكل كبير على صحّتهما العقلية وعلاقتها، ما يؤدي إلى نهايات مفجعة.
يتطرّق مجد إلى الدروس المؤثرة حول المجتمع وتأثير العزلة، ويسدل الستار على علاقات محرّمة خاصّة في العالم العربي، وما يمكن أن يؤثر هذا النوع من العلاقات على صحّة الإنسان العقلية، حين يعيش جملة من التناقضات بين التخفّي والاعتراف واحتمال خسارة دعم المحيط، وما يفرضه عليه المجتمع من ظلم وما يمارَس عليه من اضطهاد.
هي قصّة حب بالمعنى الحقيقي، سردها الكاتب من دون خجل ومن دون تغليف أو تزييف لموضوع صعب. لا يقدّم الكتاب وصفة طبّية، بل يلقي الضوء على رواية يمكن للكثيرين من مختلف البلدان والأعمار أن يروها تتحدث عنهم.
كان الكتاب صديق مجد الوحيد في طفولته التي عاشها بعيداً بعض الشيء عن المحيط. يفهم مجد جيداً التأثير الذي يمكن أن تحدثه نشأتنا، وتأثير مجتمعنا على هويّتنا الشخصية ورفاهنا العقلي. كانت تجربته الخاصّة مع التنمّر حافزاً للقصّة، والسبب الرئيسي لوجود الكتاب. أراد التواصل مع الآخرين الذين كانوا يشعرون بالتخويف أو يفتقرون إلى الدعم في حياتهم. ما ينتابه من شغف القراءة بثّ في داخله رغبة في الكتابة منذ فترة وجيزة، وأراد القول بأنّ بإمكاننا أن نعيش معاً رغم الاختلاف، وأن نتضامن في ما بيننا وننبذ الكره كي نتبنّى فكرة الحب.
اختار مجد زاهر الكتابة بالإنكليزية لأنها سهلة لديه، ولأجل حساسية الموضوع وكي تكون الرواية أكثر رواجاً، رغم أنه ملمّ باللغة العربية والفرنسية أيضاً، لكنه يطمح لأن يرى كتاباته مترجمة إلى العربية يوماً.
في 28 أيار الجاري سيوقّع مجد كتابه ضمن حملة وعي عن الصحّة النفسية، حاملاً رسالة حبّ وتغيير ودعم لكلّ من يعاني اليوم، ووقوف إلى جانبه.