إن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على فعل أمر في يوم عيد الفطر، نقله عنه صحابته الكرام، فكان من هدي الرسول ألا يخرج من بيته إلى صلاة العيد إلا بعد أن يأكل تمرات ويكون عددهم وترا، فيأكل تمرة أو ثلاثة أو خمس تمرات وهكذا.
كما جاء عن أنس رضي الله عنه أنه قال “كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَغدو يومَ الفِطرِ حتَّى يأكلَ تَمراتٍ ، ويأكلُهُنَّ وِترًا”.
وقيل إن الحكمة في الأكل قبل الصلاة لكي لا يظن أحد لزوم الصوم حتى يصلي العيد، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد سد هذه الذريعة، وقيل: إن الفطر في أول الإسلام كان لا يجوز إلا بعد صلاة العيد، ثم نسخ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعلم الناس، ويؤكد لهم بالفعل أن ذلك قد نسخ، وأصبح من السنة الإفطار على التمر إن وجد، أو ما يقوم مقامه قبل صلاة العيد، فواظب النبي على ذلك عليه؛ ليقتدي به الناس به، وقيل استحب تعجيل الفطر مبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى.
سنن عيد الفطر
تُسَنُّ التَّوْسِعةُ في العيد على الأهل بأيِّ شيءٍ كانَ من المأكول؛ إذْ لم يَرِد الشرعُ فيه بشيءٍ معلوم، فمن وسَّع على أهله فيه فقد امتثل السُّنَّة، ويجوز أن يُتَّخَذَ فيه طعامٌ معلوم؛ إذ هو من المباح، لكن بشرط عدم التكلف فيه، وبشرط أن لا يُجعَل ذلك سُنَّةً يُستَنُّ بها فيُعَدُّ مَنْ خالف ذلك كأنه مُرتكبٌ لكبيرة.
إظهار السرور:
إظهار السرور في العيدين مندوب، فذلك من الشريعة التي شرعها الله لعباده؛ إذ في إبدال عيد الجاهليَّة بالعيدين المذكورين دلالةٌ على أنه يُفعَل في العيدين المشروعين ما تفعلُه الجاهليَّة في أعيادها مِمَّا ليس بمحظورٍ ولا شاغلٍ عن طاعة، وإنما خالفهم في تعيين الوقتين، وأما التوسعة على العيال في الأعياد بما حصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس من كلف العبادة فهو مشروع.
الصلة والتزاور:
لَمَّا كان العيد محلا للسرور وإظهار الفرح فإن فضل الله تعالى ورحمته أولى ما يَفرَحُ به المؤمن،
قال تعالى: {قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} [يونس: 58]،
وإن من فضل الله تعالى أن سنَّ لنا أعمالا نجد سعادتنا في عملها وجعلها قُرْبَةً لنيل رضوانه في ذات الوقت، ومن هذه الأعمال زيارةُ الصالحين وصِلَةُ الأرحام، الأحياء منهم والأموات، التي تستحب في العيد؛ لكونه محلًّا للطاعات والقُرُبات.
والتزاور في العيدين مشروعٌ في الإسلام؛ لما رُوِيَ عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»،
قال الحافظ ابن حجر: قوله: “وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ” وفي رواية هشام بن عروة “دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ”، وكأنه جاء زائرًا لها بعد أن دخل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بيتَه.
كما نقل ابن حجر في الحكمة من مخالفته صلى الله عليه وآله وسلم الطريقَ يوم العيد أقْوَالا منها: “لِيَزُورَ أقاربَه مِنَ الأحْياءِ والأمْوات، وقِيلَ: لِيَصِلَ رَحِمَهُ”، ولم يضعِّفْ هذين القولين كما فعل مع بعض الأقوال.
أمر الشارع بصلة الرَّحِم، ورَتَّبَ على وصْلِها الثوابَ العظيمَ في الدنيا والآخرة، فجعلها سببًا في تَوْسِعَةِ الرزق وطول العُمُر حقيقةً، أَوْ: بِبَقاءِ ذِكْرَى صاحبِها بعدَ وفاتِه،
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»، كما جعلها سببًا في صلة الله تعالى للعبد-بكل معانيها وصُوَرِها-، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «قَالَ اللهُ: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ»،
ثم جعلها سببًا في دخول الجنة يوم القيامة بسلامٍ من مُنَغِّصاتِ العذاب والحِساب؛ لأن صاحبَها عامل بِسَلامٍ أقاربه في الدنيا، فاستَحَقَّ السلامَ يوم القيامة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ».