ا. د. مراد محمود حيدر أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة ـ جامعة الأزهر الشريف:
سئل الإمام عبد الله بن عباس عن سبب تركه العيش في مكة ونزوحه رضي الله عنه إلى الطائف، فأجاب (مالي ولبلد تضاعف فيه السيئات كما تُضاعف الحسنات) إن هذه الإجابة تعنى أن السيئات تضاعف على صاحبها في الأزمنة التي عظمها الشارع الحكيم، لأنه طلب من عباده تعظيمها ولذا فإن اقتراف الفواحش في هذه الأزمنة يضاعف السيئات قياسا على مضاعفة الحسنات…
ورغم الخلاف الفقهي بين العلماء حول مضاعفة السيئات في الأزمنة التي عظمها الشارع، وطالب عباده بتعظيمها واعتبر هذا التعظيم من تقوى القلوب، فقال سبحانه (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) وقال عز شأنه (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) والإلحاد معناه كل قول أو فعل يميل إلى باطل، إلا أن الفقهاء متفقون على مضاعفة السيئات كيفا لا عددا حيث إن النصوص الشرعية تصافرت على أن السيئة لا تضاعف عددا، قال تعالى (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا).
فالسيئات وإن كانت لا تضاعف من جهة العدد، في الأزمنة التي طلب الشارع تعظيمها إلا أن مرتكبها يكون أشد إثما من ارتكابها في غير رمضان….
والذين ير تكبون آثاما في حق غيرهم عن طريق تزيين المعاصي لهم، وقطع عبادتهم لربهم لا شك داخلون في هذا الوعيد…
إن المسلم اليقظ لا يترك نفسه تستسلم لشهواتها، بل يردعها بسيف الحزم ويأخذها بعصا العزم إلى الطاعة، وهذا واجب المسلمين تجاه هذا الشهر الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: (قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم).
ولو تأملنا هذا النص الشريف لأدركنا أن الذين يطلعون الله عز وجل على سيئاتهم وشرورهم في هذا الشهر الفضيل هم من الأشقياء الذين استوجبوا عقاب الله بجدارة، لأن قوله صلى الله عليه وسلم (من حرم خيرها فقد حرم) يدل على مدى الخسارة التي يمنى بها أهل المفاسد واللهو في هذا الشهر المجيد..
أقول هذه الكلمات وأنا أشاهد على صفحات الإنترنت الإعلانات للمسلسلات التي تهاجم بها الفضائيات حياة المسلمين. وتغريهم بها… سباق لا مثيل له في إغراء المشاهدين بالجلوس للاستمتاع بهذه المسلسلات التي أقل ما يقال فيها أنها تخدش حياء هذا الشهر الكريم.
ورغم واقع الأمة الإسلامية الحزين، نتيجة النكبات التي تعرضت من خلال الأوبئة، من جانب، و الهزائم المتتالية من عدوها من جانب آخر من خلال التحدي للإسلام، وسبه، وإهانة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذا اضطهاد المسلمين وذبحهم وابادتهم جماعيا من جانب آخر، إلا أن الكثرة الكاثرة منهم في سبات عميق…
وقد يكون الانغماس في مشاهدة الأفلام والمسلسلات وقضاء الأوقات فيما لا يفيد، هو بمثابة هروب البعض من هذا الواقع المؤلم… إلا أن دعاة السوء من منابر الفضائيات يزينون لهم ما هم فيه من انحراف عن جادة الصواب…
إن العذاب الذي يحل بالمجتمعات من الجوع والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات، إنما هو نتيجة طبيعية لهذه الغفلة عن منهج الله، ومحاولة السيطرة على العقل العربي وإلهاءه عن النظر في واقعه الأليم…
إن الكف عن إفساد حياة الناس صدقة من الإنسان المفسد على نفسه، وفوق هذا، فهو سد لباب العذاب الذي يتوعد هذه الأمة كلما غابت عن شرع ربها، فهل يكف هؤلاء عن إفساد عقول الناس وتغييبها عن واقعها؟
لقد نادى بها من قبل نبي الله نوح عليه السلام فقال لقومه
)فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا).
لكن القوم كانوا أهل سوء، فما استجابوا لهذا النذير، فكانت عاقبتهم أن أغرقهم الله، فلم يذر على الأرض منهم ديارا…
فهل يستوعب أهل الفساد والإفساد هذا الدرس، فيرجون لله وقارا.، أم أنهم سيسلكون نهج قوم نوح فيستحقون نفس الجزاء؟
إننا ياسادة على المحك… في حالة اختبار… والنتيجة عما قريب…
فهل نرجع إلى الله؟
مراد محمود حيدر
مدينة عيسي
في السادس من رمضان ١٤٤٢هـ