بقلم: علي أبو الريش
بهشاشة مشاعر هيفاء، مر هذا الكائن الملائكي في الشارع وهو يخطب ود الحياة، ويستدرج قلوب الجائحين في الطرق، والسائرين بسرعات تسبق الريح، لعل وعسى يخففون الوطء، ويكبحون جماح زهوهم، ويمسكون بزمام الطائرات الأسرع من الصوت، ويعتبرون ويخفقون بقلوب تعرف بأن الله حق.
كتب هذا الشاب الملفع بقمع سميك على وجهه هذه العبارة «أمي تنتظرني في البيت»، وهو يعني ما يقول، حيث إنه ترك في بلاده أُماً تذرف الدموع مدرارة لفراق الابن، وفراغ المنزل في قريته الصغيرة النائية من صوت شاب في لمسة يده على محياها نفحة الآيات الكريمة، وفي نظرة عينيه شروق بهجة النجم الساطع في السماء الصافية، وفي ابتسامته رفرفة أجنحة الفراشات في ساعة ذروة اللقاء الحميمي مع وريقات الأمومة الحانية.
كتب هذا الشاب عبارة، فلعل وعسى تهفو قلوب الآخرين بحب استثنائي يمنع تدفقهم، وحماقتهم، وغلواءهم من فوات المصير الآدمي تحت عجلات ساحقة، ماحقة، سارقة للأعمار.
صورة من صور الشدو في صباحات منهكة بالزئير، والنفير، وطرق يئن أديمها من فرط ما تبديه الآلة المتجبرة من سطوة وجبروت على حساب أرواح تاقت للحياة، واشتاقت لوصول آمن ولقاء مسكون بالظفر.
هؤلاء الرجال يجوبون الأمكنة، حاملين على ظهور دراجاتهم النارية وجبات من أمنوا حياتهم، واستقرت نفوسهم، واتسعت حدقات أفئدتهم بين أحضان جدران منازلهم، متكئين على ثراء حياتهم في بلد تنوعت فيه الخيرات بفضل الله، وجزيل قيادة ما ادخرت وسعاً في توفير كل ما يحتاجه الإنسان، من مستلزمات الحياة.
عندما قرأت هذه العبارة، شعرت بأن الحياة رائعة، ولا شيء أجمل منها، وكل ما تحتاجه حتى تظل هكذا، هو أن تحظى ببشر لا يسخون في التفريط في اللامبالاة، ولا يفرطون بسخاء في جعل الشوارع، ميادين لسباقات الأطباق الطائرة، فحياة الإنسان لا يدانيها في الوجود شيء، ولا يساويها ثمن مهما بهظ، وعلا شأنه، وعندما تتأمل تلك العبارة تشعر أن هناك في العالم من ينتظر عزيزاً، ويأمُل ألا يصيبه مكروه، وعيونه معلقة في السماء بانتظار الغائب، لتحل نعمة الفرح على قلبه، بعد أن يسكن روعه. تشعر أن الحياة تنعم بالجمال عندما يتخلص الناس من الأنانية، ووهم الكبرياء، وغم قلق الوصول بأقصى سرعة.
ذلك الشاب، يجب أن يوقظ في نفوس الكثيرين، نوازع الخير، والسكينة والحب، والامتنان لكل من يقوم بخدمتنا، ويقدم حياته وجهده، ومشاعره بالغربة، رخيصة في سبيل إسعادنا.
سيقول بعضنا: إنه يتعب لأجل لقمة عيشة، وأقول: هذا يكفي أن تمنحه حق الحياة بشرف وأمان.