نورا المطيري – صحيفة البيان:
تبدو أحداث العالم، من وجهة نظر مراقب، كوقائع مادة وثائقية، متفرقة في مشاهدها، ولكنها مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً، وتؤدي جميعاً، رسالة واحدة، مفهومة لدى البعض، لكنها غير واضحة للبعض الآخر، الذي يرفض الانسجام.
منذ حوار جدة، برعاية سعودية ودعم إماراتي، الذي تمخض عن اتفاق الرياض، ظهرت الوقائع والأحداث المختلفة، سواء باجتياح أردوغان لسوريا، أو أحداث العراق ولبنان، أو تسريبات اتفاق الحوثي مع الإخوان في العام 2014 وكذلك الاحتجاج في إيران، وصولاً إلى دعوات غير مفهومة لعقد قمة إسلامية مصغرة.
قراءة تلك الوقائع بعيون تحليلية، تجد بينها كلمة سر واحدة عميقة هي «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية وتحرص الإمارات على دعم كافة توجهاته، بكافة الوسائل، لكنه يواجه غضباً من تحالف آخر بين الإخوان والحوثية والحرس الثوري، وبين إيران وتركيا، ومن يصطف إلى جانبهما، خوفاً وطمعاً.
ولم يكد العالم التوّاق للسلام يعلن إعجابه وتأييده لاتفاق الرياض، بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، حتى ثارت ثائرة أردوغان، وراح يتخبط يمنة ويسرة، فلم يصدق العثماني، أن محاولته في 2014 التي أدت لانقلاب الحوثية، سوف تتكسر في الرياض، فيصافح الجنوب الشمال بسلام..!
أكدت التسريبات، أن استضافة تركيا لذلك اللقاء، وهو ليس لقاء يتيماً بالمناسبة، بين الإخوان والحوثية، قد وضع وريث الإمبراطورية العثمانية، كما يدّعي، في قفص الاتهام بكره السعودية، والعمل على تحطيم سمعتها ومكانتها الدينية والسياسية، رداً على الرياض وأبوظبي آنذاك، وعملهما الدؤوب لتحرير مصر من قبضة الإخوان، وإزاحة محمد مرسي من المشهد، المتهم أيضاً بالخيانة والتآمر.
وعلى وقع ضياع خططه وحساباته، وحسابات الإخوان والحوثية، وإيران وغيرها، المتفق عليها سلفاً، كما أشارت التسريبات الموثقة، وقف المتهم أردوغان، يحارب الرياض، بيديه وأسنانه، فبدا وكأنه يٌعد لخطة سرية لاستبدال منظمة التعاون الإسلامي، بمنظمة أخرى مُصغرة، تُماحك الرياض وأبوظبي والعالم الإسلامي.
وعلى الجانب الآخر من مضيق أعالي البحار، بدا أن محاولة طهران لاستجداء الرياض في صلح هش، يخفف عليها الضغوط الدولية، ورفض السعودية إلا بشروط واضحة مفهومة، انطلق الشعب المقهور في إيران، واجتاح نظام الملالي من أقصاه إلى أقصاه، محطماً كل القيود المفروضة عليه، لإيمانه بأن جميع الأبواب أصبحت مغلقة، ولا مجال بعد الآن، حتى لعقد صفقة مع الجيران، تضمن تخفيف الأعباء المعيشية التي بلغت أسوأ حالاتها.
وبدل أن يستجيب خامنئي، ويستمع لصوت العقل والسلام، وفي إطار كلمة السر التي أججت جنون العظمة لديه، راح يسلم مقاره الدبلوماسية في اليمن، كيداً وحقداً على التحالف العربي، لمسؤول حوثي كسفير، في انتهاك جديد لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، ظنّاً منه بأنه يوجه صفعة للرياض. مع أن الواقع والأحداث المترابطة، دللت على أن تلك الخطوة الصغيرة، رفعت من قيمة جهود التحالف العربي وأسقطت ورقة التوت الأخيرة التي كان يتستر فيها النظام الإيراني.
في مقدمة الفيلم الوثائقي وفي نهايته، تقف الرياض وأبوظبي، في وجه آلة الفتنة والكيد، ليس من باب المناكفة بقدر ما هي رؤية ورسالة عميقة مستقرة راسخة في الدولتين الشقيقتين، تُحيي الأمل في إرساء الأمن والسلام، منذ أن أعلن التحالف العربي مشروع إعادة الأمل إلى اليمن، فحقق اتفاق الرياض وبدأ بمشروع تنفيذه على قدم وساق، وحظي بدعم الطرفين المطلق: الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
كلمة السر: التحالف العربي، التي وحدت الصفوف، ستظل تقلق مضجع الباحثين عن الدمار والخراب، حتى يدركوا، أنه لا تراجع أبداً، عن إعادة الأمل، إلى القلوب المتعطشة للسلام.