بقلم مدير دائرة التربية والمهارات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية – أندرياس شلايشر:
تطمح دولة الإمارات العربية المتحدة لأن تصبح واحدة من أفضل دول العالم وتعتمد على التعليم كإحدى الركائز الأساسية لتحقيق أهدافها.
وفي مقال نشرته صحيفة البيان كتب “شلايشر”: لمست من خلال زياراتي المتكررة إلى دولة الإمارات التزامها الواضح في تطوير قطاع التعليم وعملها المتواصل على الارتقاء بالمناهج الدراسية مع الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة لمواكبة التقدم العلمي العالمي.
لقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة دول المنطقة المشاركة في «برنامج التقييم الدولي للطلبة» «بيسا»، الذي أطلقته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2000. وتؤكد المؤشرات نجاح الدولة في مسيرتها التعليمية وتحسين موقعها وتسجيل معدلات عالية في كفاءة التعليم. ووضعت الدولة هدفاً واضحاً وهو أن تحتل مركزاً متقدماً في «برنامج التقييم الدولي للطلبة» وتكون ضمن أفضل 20 دولة في العالم.
وشهدنا على مدى السنوات الكثير من التجارب والطروحات الهادفة إلى تطوير التعليم، ولعل من أشهرها الدعوة إلى خفض عدد الطلبة في الصفوف المدرسية. وأود التأكيد على أن مثل هذه الخطوات قد تحقق نجاحاً نسبياً، إلا أن التجارب الدولية وتحليل نتائجها تظهر بأن مثل هذه التجارب تحمل في طياتها تبعات غير متوقعة وتأتي بنتائج عكسية على المدى الطويل.
ففي بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خفضت بعض الدول عدد الطلبة في الصفوف الدراسية بنسبة 6% بين عامي 2005 و2014. وساهم خفض عدد الطلبة في تحقيق نتائج أفضل نوعاً ما، لكنه بالمقابل أسفر عن جوانب سلبية غير متوقعة؛ فتقليص أعداد الطلبة في الصفوف يعني الحاجة إلى صفوف أكثر، وبالتالي الحاجة لزيادة عدد المعلمين ورفع التكاليف. والنتيجة: تخفيض رواتب المعلمين.
لقد حدث ذلك بالفعل فقد انخفضت رواتب المعلمين فعلياً في ثلث الدول التي طبقت تجارب خفض عدد الطلبة خلال الفترة المذكورة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدم حصول المعلمين على رواتب مجزية يعني أنهم لن يعملوا على الاستثمار في تطوير قدراتهم. وحتى لو فعلوا ذلك، فإنهم على الأرجح سيهجرون هذه المهنة ويتحولون إلى قطاعات أخرى تستفيد من قدراتهم وتقدرها بشكل أفضل.
وعلى مستوى العالم، تولي النظم التعليمية الأعلى أداءً وفقاً لتصنيفات «بيسا» أهمية أكبر لتطوير قدرات المعلمين مقارنة بالتحكم في عدد الطلبة في الصفوف، وستعمد بالتأكيد إلى اختيار الاستثمار في تحسين قدراتهم وأوضاعهم بدلاً من زيادة عدد الصفوف.
فمثلاً، تأتي مدينة شنغهاي الصينية في المرتبة الأولى على صعيد الأداء وفقاً لتصنيفات «بيسا»، رغم أن عدد الطلبة في الصف يزيد على 40 طالباً.
وتعني الزيادة في أعداد الصفوف المدرسية عدم توفر أموال كافية لرفع أجور المعلمين، كما أن الصفوف الصغيرة غالباً ما تستنزف وقت المعلمين وتمنعهم من القيام بأية نشاطات أخرى غير التدريس، فما من وقت لدعم الاحتياجات الفردية للطلبة أو التعاون مع زملائهم أو التواصل مع أولياء الأمور وجميعها جوانب مطلوبة لبناء نظم تعليمية عالية الأداء. أضف إلى ذلك أن زيادة عدد الصفوف يتطلب أيضاً إيجاد مدرسين جدد، وبالنظر إلى هذه الظروف سيجذب القطاع كوادر دون المستوى المهني المطلوب.
كما لم تثبت صحة الاعتقاد السائد بأن تقليص حجم الصفوف يعني راحة وسعادة أكبر للمعلمين. ففي عام 2018، أجرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دراسة شملت 89000 معلم من البلدان المتقدمة، ولم تظهر النتائج حينها أي علاقة بين الرضا الوظيفي للمعلم وحجم الصف.
خلاصة القول، تمثل نتائج الطلبة الجيدة وأجور المعلمين المجزية أفضل وسيلة لضمان نجاح المؤسسات التعليمية وشهرتها على المدى الطويل. وبما أن المدارس في دولة الإمارات العربية المتحدة تحتضن صناع المستقبل الذين سيشكلون ملامح التنمية الاقتصادية المقبلة، فمن المهم أن تؤخذ القرارات المناسبة في هذا الصدد.