بقلم: رقية البلوشي
يُقسم علماء الاجتماع نوعية القيادات وفقاً للنهج القيادي الذي يتبعونه، والذي يرسم ملامح كل قائد، فهناك القائد صاحب الأسلوب الكاريزمي، وهناك آخر صاحب القيادة الأكثر استمرارية، وهناك ثالث يجمع بين الصِنفين، وهؤلاء قِلَّة عبر التاريخ.
وتحظى دولة الإمارات بنموذج قيادي استثنائي جمع بين الصنفين، وهو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، صاحب الكاريزما الأكثر استمرارية وحيوية. ولو نظرنا عبر التاريخ، لوجدنا أن هناك لحظات لا تُنسى لقادة مخضرمين، ومنهم، على سبيل المثال، الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي وخطابه التاريخي «استراتيجية السلام» الذي ألقاه في عام 1963 في الجامعة الأمريكية بواشنطن. إذ كان للخطاب تأثير إيجابي في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا آنذاك، على الرغم من أزمة الصواريخ النووية، والدليل أنه تم نشر الخطاب في اليوم التالي في صحيفتي «ازفيستيا» و«برافدا» الروسيتين، وبمقدمة من نيكيتا خروتشوف بنفسه. المثال الآخر، لأول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة، لي كوان يو، الذي أسس إدارة فعالة للحكومة، ازدهرت بشكل مبهر، وحققت الاكتفاء الذاتي للموارد، وترك لي كوان يو إرثاً من السياسات الرائدة التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وتدرّس في المعاهد الكبرى، وعلى وجه الخصوص «سياسة الماء» الشهيرة. ووفقاً لبحث أجراه دين سيمونتون، أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا، حول الشخصية الرئاسية، فإن النتائج التي توصل إليها، والتي تفيد بأن أوائل الرؤساء للولايات المتحدة خدموا سياسة بلدهم بالتزام تام، ومع ذلك، كانت شخصياتهم عادية جداً، مثل ويليام هاريسون ومونرو وبوكانان. قد يكون هذا بسبب أنهم لم يكونوا بحاجة إلى الظهور على شاشة التلفزيون أو إلقاء الخطابات، وكانت القرارات تؤخذ بشكل تام خلف الأبواب المغلقة.
وهنا لا يسعني سوى التساؤل، ما الصفات التي يجب أن يتطلع إليها القائد، هل هي الصفات الدافئة أم الباردة، الصلبة أم المرنة، الكاريزما أم الاستمرارية؟
منذ مئة عام، توصل عالم الاجتماع الألماني الشهير ماكس فيبر، إلى أشهر نظرياته عن «السلطة الكاريزمية»، إذ حدد فيبر ثلاثة أنواع منها وهي: التقليدية، والقانونية، والكاريزما. وتطرق في كتاباته قبل عام 1914، إلى توضيح العلاقة بين القيادات الكاريزمية والقيادات التقليدية، على غرار تلك التي يمتلكها الباباوات، والتي يطلق عليها «كاريزما المنصب». ووفقاً لفيبر، فإن «الكاريزما هي السلطة الاستثنائية». (فيبر، 1948: ص 79).
وسوف أسلط الضوء على بعض الأمثلة من القادة السياسيين المؤثرين، والذين جسدوا أسلوب الكاريزما أو الاستمرارية أو كليهما:
الأول، مارغريت تاتشر التي تُعرف أيضاً باسم «المرأة الحديدية»، إذ في السنوات الإحدى عشرة التي خدمتها كأول سيدة في منصب رئاسة وزراء المملكة المتحدة، كانت تتمتع بشخصية درامية وقوية. المثال الثاني، أنجيلا ميركل، التي هي أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية، إذ تبنّت استراتيجية التحلي بالهدوء والاستمرارية، والتي يفضلها الناخبون بشكل خاص في الأزمات الاقتصادية.
ومن الأمثلة على القادة المؤثرين الذين جسدوا أسلوب الكاريزما أو الاستمرارية معاً، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فهو مثال عربي وعالمي حي يجسد سموه الصفتين معاً، وقد ظهر ذلك جلياً في المهمة الناجحة الأخيرة لـ«مسبار الأمل» التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة إلى المريخ، إذ منذ الإطلاق الجريء للمهمة في عام 2014، وبينما شكك الكثيرون في مدى نجاح هذه المهمة الأولى من نوعها في الوطن العربي، كانت الاستمرارية منهجاً في السنوات الست الماضية، وتكللت بالنجاح الباهر، إذ احتفلت بالحدث دول المنطقة والعالم والمجتمع العلمي العالمي، وسط إشادات بمكانة دولة الإمارات، كأول دولة عربية وخامس دولة في العالم ترسل بنجاح مهمة فضائية إلى الكوكب الأحمر. وغرد توماس زوربوشن، رئيس البعثة العلمية في وكالة «ناسا»، بتهنئة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قائلاً: «إن مساعيك الجريئة لاستكشاف الكوكب الأحمر ستلهم كثيرين آخرين للوصول إلى النجوم». وهنا تتجسد رؤية القائد منقطعة النظير والسباقة، والتي باتت تؤثر، ليس فقط في شعبه وحدوده الجغرافية، بل تعدت إلى أقاليم أخرى، ومن ثم إلى العالم بأسره. ووفقاً لمقال نُشر في «هارفارد بيزنس ريفيو» بقلم جيل كوركينديل، فإن الكاريزما الحقيقية تقاس بمستوى النضج والثقة والحكمة.