بقلم: طارق القرق
تسببت جائحة «كوفيد 19» بصدمة كبيرة للاقتصاد العالمي نشأ عنها الركود الأسوأ منذ الكساد الكبير بحسب صندوق النقد الدولي. وقد أثبت الوباء أنه الأكثر فتكاً بالأرواح منذ عام 1918، متخطياً بذلك أمراضاً أخرى مثل إنفلونزا الخنازير (H1N1) والإيبولا والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس). انتشرت جائحة «كوفيد 19» حول العالم بسرعة أنذرت بالخطر، مما أثار قلق الحكومات ومجتمع الأعمال بشأن طول الفترة الزمنية قبل التعافي، وما يمكن أن يبدو عليه هذا التعافي. ومع ذلك، فإنه في غياب العلاجات الطبية واللقاحات، بدت إمكانية القضاء على الفيروس صعبة المنال. علاوة على ذلك، كانت حالة عدم اليقين هذه مقلقة للغاية بالنسبة للحكومات والقطاع الخاص والمجتمع ككل.
وفي الوقت الذي لا تزال تعاني فيه الكثير من الدول والبلدان حول العالم من أثر الجائحة، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تشهد تعافياً سريعاً. فمعظم مناطق الجذب السياحي ومراكز التسوُّق والفنادق والمطاعم ومراكز الترفيه في دولة الإمارات فتحت أبوابها بشكل كامل، كما تشهد الدولة أيضاً طفرة في أعداد السائحين القادمين من الخارج. فضلاً عن ذلك، بدأت المساجد والكنائس والمعابد باستقبال المصلين، في حين بدأت الأعمال التجارية تشهد عودة الحياة إلى طبيعتها. وفي الواقع، ستشهد دولة الإمارات انتعاشاً اقتصادياً أسرع من الدول الأخرى، ليس فقط في العالم العربي ولكن على مستوى العالم ككل. وبالنظر إلى هذا كله، شهد المواطنون والمقيمون كيف يمكن لدولة ذات قيادة وتصميم قويين أن تستجيب لمثل هذا الوباء بطريقة مسؤولة وآمنة. لقد رفعت الدولة المعايير فيما يتعلق بالتأهُّبِ للأزمات والتعافي منها.
إلى جانب ذلك، فإنه منذ شهر ديسمبر 2020، قامت الهيئات الصحية في الدولة بحملة تطعيم وطنية، حيث تم تلقيح ما يزيد على مليوني فرد منذ انطلاق الحملة، وهو ما يضع دولة الإمارات في المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث عدد اللقاحات المقدمة لكل 100 شخص.
كذلك، أسهم المواطنون والمقيمون في عملية التعافي من خلال التزامهم في جميع الأوقات بإجراءات الصحة والسلامة الاحترازية التي وضعتها السلطات، مثل ارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي. ولا ننسى أيضاً دور الأبطال في خط الدفاع الأول من العاملين في مجال الرعاية الصحية ومسؤولي الأمن المدني والمعلمين والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية الذين عملوا دون كللٍ لضمان سلامة ورفاهية المجتمع الإماراتي خلال تلك الأوقات الصعبة. كما أن مستوى الالتزام الذي شهدناه من أكثر من تسعة ملايين شخص يعيشون ويعملون في الدولة من مئتي جنسية، يعكس بشكل كبير ما يمكن تحقيقه من خلال التعاون.
لقد تعلّمنا في دولة الإمارات أن الاستعداد أمرٌ بالغ الأهمية. ومن أفضل الأمثلة حول قدرة حكومة ما على احتواء أزمة ما بشكل فوري، هو كيفية التعامل مع استمرارية التعليم. ففي عام 2012، أي قبل ظهور جائحة «كوفيد 19» بوقت طويل، طورت دولة الإمارات بنية تحتية تكنولوجية قوية لمنصات التعلُّم الإلكتروني اللازمة لتوفير التعليم والتعلُّم عن بعد. ومع بداية جائحة «كوفيد 19»، وبفضل الرؤية الثاقبة لقيادة دولة الإمارات الرشيدة، استطاعت المؤسسات التعليمية في الدولة أن تتحول بسهولة كاملة إلى المنصات الإلكترونية القائمة بأقل قدر من التحديات ضمن عملية التعلُّم.
إن القيادة الفعالة هي السبب الرئيسي وراء النجاحات التي حققتها دولة الإمارات في مواجهة جائحة «كوفيد 19»، وكذلك التعافي السريع من آثارها. وإنني أثني على القيادة الرشيدة لدولة الإمارات لتنفيذها بشكل استباقي تدابير جريئة مكنت الدولة من الاستجابة بسرعة كبيرة لجائحة «كوفيد 19» وتقليل تأثيرها على مجتمع الأعمال والأفراد على حد سواء.
لقد أُتيحت لي الفرصة لزيارة مدينة العين مع أسرتي خلال عطلة اليوم الوطني بداية شهر ديسمبر 2020. ولقد كانت آخر زياراتي لهذه المدينة التراثية منذ أكثر من 15 عاماً، حيث انبهرت من مدى تغيرها منذ ذلك الحين. وبالرغم من كونها ثاني أكبر مدينة في إمارة أبوظبي ورابع أكبر مدينة في دولة الإمارات، إلا أن المدينة تعكس صورة ثقافية حقيقية للدولة. وسيشهد الزائرون مدينة قد تحوَّلت إلى عاصمة عصرية نابضة بالحياة مع حفاظها على هويتها التقليدية من خلال تحويل عدد كبير من المواقع القديمة إلى متاحف. كما تم الحفاظ على القيم الاجتماعية وثقافة وتقاليد أسلوب الحياة الإماراتية في هذا المزيج الحديث. وخلال زيارتي، أُتيحت لي الفرصة للتفاعل مع عدد من المواطنين والمقيمين حيث سررت لرؤية مدى التزامهم بإجراءات السلامة. لا شك في أن التعليم هو ما حفز فينا روح الانضباط في جميع أنحاء الدولة، وجعلنا مدركين لكيفية الاستجابة للجائحة على الصعيد الشخصي.
وفي هذا اليوم الذي نحتفل فيه باليوم الدولي للتعليم، من الضروري أن نتذكر أن التعلم هو حقاً إحدى الركائز الأساسية للتنمية المستدامة. ولم يكن إدراك ذلك بالأهمية نفسها التي هي عليه الآن. وفي هذا السياق، فقد نجحت دبي العطاء في استضافة مؤتمر «ريوايرد اكس» (RewirEdX) الافتراضي في 15 و16 ديسمبر من العام الماضي، حيث شارك قادة التعليم وممارسوه في حوار هادف موجه نحو العمل لإعادة النظر في السلوكيات تجاه التعليم وتصوره والواقع الجديد الذي يتبع عالم ما بعد جائحة «كوفيد 19». كما شكل المؤتمر الافتراضي عداً تنازلياً لمدة عام واحد لقمة التعليم العالمية «ريوايرد» (RewirEd Summit)، التي ستستقطب المشاركين شخصياً في الفترة من 12 إلى 14 ديسمبر 2021، وذلك خلال أسبوع المعرفة والتعلم بإكسبو 2020 دبي. ومن المُنتظر أن تجمع قمة «ريوايرد»، التي هي ثمرة تعاون بين دبي العطاء وإكسبو 2020 دبي وبالتنسيق الوثيق مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات، أبرز الأطراف الفاعلة من حول العالم لمناقشة كيفية التعاون لمواجهة تحديات التعليم والتعلم من خلال العمل على استكشاف مناهج جديدة كلياً، وكذلك منح المشاركين فرصة فريدة للاتفاق على رؤية مشتركة وعمل ملموس. إننا بإيجاز نأمل أن تكون المناقشات ونقاط العمل في قمة «ريوايرد» نقطة الانطلاق لعد تنازلي مدته 10 أعوام لإعادة صياغة مشهد التعليم بحلول عام 2030. وهو عام سنشهد فيه تقييم إنجازات أهداف التنمية المستدامة وكذلك تجديدها لتنمية مستقبلية.
ومع احتفالنا ببدء عام جديد والاقتراب خطوة من اليوبيل الذهبي لدولة الإمارات، فإنني أشعر بالتفاؤل أن يكون إكسبو 2020 دبي عرضاً استثنائياً لمسيرة الدولة، وفرصة لإبراز نجاحها على مدار 50 عاماً، إلى جانب نجاحات أكثر من 190 دولة مشاركة. لم تكن هذه النجاحات لِتتحقق دون أن يكون التعليم هو الاستثمار الرئيسي لهذه الدول. أنا على ثقة من أن إكسبو 2020 دبي سيمنح الناس أملاً متجدداً يؤكد أنه من خلال التعاون يمكن إحداث تغيير دائم للبشرية، حتى خلال الأوقات الصعبة.