يوثق متحف “محطة الشارقة الجوية” لتاريخ الطيران في دولة الإمارات العربية المتحدة، والخليج العربي بصورة عامة، إذ يروي المتحف الذي افتتح في العام 2000، قصة أول طيارة هبطت على أرض الإمارات في إمارة الشارقة، ويتتبع مسيرة التحولات التي قادها مطار الشارقة في أربعينات القرن الماضي، وأثر ذلك على الواقع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في المنطقة.
تبدأ حكاية المحطة في الخامس من أكتوبر العام 1932، حيث تم الانتهاء من جميع الترتيبات الخاصة لوصول أول طائرة إلى مطار الشارقة في تمام الساعة الرابعة عصراً، وبالفعل، استقبل مدرج الطائرات حول المحطة أول طائرة قادمة من مطار “جوادر” (في باكستان حالياً)، متجهة إلى بريطانيا. وحملت الطائرة التابعة للخطوط الجوية الإمبراطورية إسم “هانو”، وكان على متنها ركاب وبريد، لتحلق من الشارقة بعد أن تزوّدت بالوقود والمؤن التجارية، وافتتحت تاريخ الطيران الجوي في الدولة.
تاريخ
منذ افتتاحها وحتى يومنا هذا، استطاعت “محطة الشارقة الجوية” أن تلعب دوراً محورياً في لفت الانتباه لإمارة الشارقة، والإمارات ككل قبل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ساهمت من خلال هذه النافذة الجوية في ربط الشرق بالغرب، والتعرّف على الثقافات والحضارات، بل مدّت من خلالها جسراً يعدّ وسيلة سريعة وسهلة وفاعلة تنطلق من الشارقة إلى دول المنطقة والعالم.
وساهم موقع الشارقة في تحقيق تغيير ملحوظ في خطوط عبور الطائرات الدولي، حيث تم توجيه خط سير الرحلات الجوية نحو الشارقة عندما قررت الخطوط الجوية الإمبراطورية “إمبريال إيرويز” إيقاف رحلاتها عبر بلاد فارس وتحويلها إلى طريق جنوبي رئيسي لها يمرّ عبر منطقة الخليج العربي لتصل وجهاتها في الشرق الأدنى، لتنضم المحطة كنقطة رئيسية إلى الخط الجديد إلى جانب مطار القاهرة.
ورسّخت “محطة الشارقة الجوية” الموقع الجغرافي المميز للدولة باعتبارها همزة وصل تربط كلّاً من قارات أوروبا وآسيا وأستراليا ببعضها، حيث ظلت المحطة نافذة حيوية تفتح قنوات الاتصال الحضاري والتجاري والثقافي مع الغرب، كما كانت قاعدة انطلاق لعمليات الطائرات الحربية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى العام 1971 الذي غادرت فيه آخر الطائرات العسكرية البريطانية أراضي الشارقة، وكان عددها ثمان طائرات من طراز “هنترز”.
مرافق المطار
وتتميز “محطة الشارقة الجوية” عن غيرها من مطارات المنطقة خلال تلك الفترة بوجود استراحة المسافرين للمبيت ليلاً وكانت مجهزة بسبل الراحة والأمان. كما وضمت المحطة مركز الأرصاد الجوية، ومحطة البرقيات، ومركز البريد، وخزانات الوقود، وقوة دفاع المطار، إلى جانب مدرج الطائرات الذي كان في بادئ الأمر عبارة عن أراض سبخة تمت تسويتها لتهبط عليها الطائرات، وفي الستينيات من القرن الماضي، تم تعبيد المدرج ليصبح اليوم ما يعرف بـ” شارع الملك عبد العزيز”. وكون المحطة مجهزة بوسائل المبيت والراحة، يمكن اعتباره أول فندق في الإمارات.
دلالات تاريخية
اعتبر استخدام طيارة الهانو قفزة نوعية في تاريخ الطيران المدني. تميزت طائرة الهانو بحجمها وقدرتها على قطع مسافات طويلة وهو ما تطلبته رحلات الخطوط الدولية بين بريطانيا والهند وأستراليا مروراً بمنطقة الخليج العربي. شمل خط الطيران الدولي هذا نقاط توقف عدة للتزود بالوقود، ومطارات رئيسية هي كرويدين في لندن، أثينا، القاهرة، بغداد، البصرة، الشارقة، كراتشي وصولا إلى الهند وأستراليا.
احتفاء بالسينما
يجد الزائر لمتحف محطة الشارقة الجوية توثيقاً بصرياً جمعت أرشيفه “هيئة متاحف الشارقة” ليسجل أول ظهور للسينما في الإمارة بالأبيض والأسود، حيث يستدل من خلال الصور المعروضة لـ “سينما الشارقة” على أول دار سينما في المنطقة الخليجية التي تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي، ووثقت لبداية إنشاء السينما في الخليج ويكشف مراحل ازدهارها على يد السلاح الجوي البريطاني خلال الأعوام 1949 و1959، حيث كانت السينما عبارة عن سور مربّع وشاشة متوسطة الحجم تواجهها الغرفة الخاصة بالعرض وأماكن جلوس، وكانت تعرض أفلاماً سينمائية صامتة، وفي معظمها وثائقية قصيرة وترفيهيّة.
ويعمل المكتب الإداري “الشارقة: بوابة الإمارات المتصالحة”، الجهة المسؤولة عن ملف ترشيح مواقع في الإمارة لقائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.