لا يزال الانفجار الذي هز مرفأ العاصمة بيروت يوم 4 أغسطس راسخ في أذهان اللبنانيين. هذا الانفجار، الذي شبّهه البعض بقنبلة هيروشيما، فجّر غضباً شعبياً عارماً من الطبقة السياسية المتهمة بالتقصير وبالمسؤولية عن دمار العاصمة. وأعاد إلى الأذهان قصة موت غريب لعقيد طلب إبعاد نترات الأمونيوم عن المرفأ.
فقد جاء التحذير الأول من تحذيرات كثيرة عن وجود شحنة خطرة بمرفأ بيروت في فبراير 2014 وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من وصولها. وأطلق هذا التحذير العقيد جوزف سكاف الذي وصفته أسرته بأنه مسؤول جمارك دؤوب في عمله.
وأخطر سكاف، الذي كان رئيساً لشعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال، سلطات الجمارك بأن شحنة نترات الأمونيوم “شديدة الخطورة وتشكل خطراً على السلامة العامة”.
وفي الرسالة المكتوبة بخط اليد التي اطلعت عليها رويترز وتحققت من صحتها من مصدر مطلع على القضية. طالب سكاف بضرورة “إبعاد هذه الباخرة عن الرصيف رقم 11 إلى كاسر الموج وإذا أمكن وضعها تحت الرقابة من قبل تلك الأجهزة المتواجدة في المرفأ”.
إلى ذلك لم تستطع رويترز التحقق مما إذا كان سكاف، الذي توفي في 2017، قد تلقى رداً على رسالته أو ما إذا كان قد تابع هذا الأمر. وأحال مكتب مدير الجمارك رويترز إلى وزارة المالية التي لم ترد على أسئلة حول هذا التحذير.
من جهته، يتذكر إيلي شقيق سكاف أن العقيد قال عن الشحنة في 2014 “ما راح نخليهن يفرغوها”. وأوضح ميشال نجل سكاف أن تصميم والده على إبعاد السفينة روسوس عن المرفأ يتفق مع شخصيته. إذ إنه لم يكن يسمح لمثل هذه الأمور بأن تمر وكان يتصدى لكل ما يراه من أخطاء.
وكانت رسالة سكاف المؤرخة بتاريخ 21 فبراير 2014 الحلقة الأولى. في سلسلة من التحذيرات التي أطلقها مسؤولون في المرفأ والجمارك والأمن من شحنة نترات الأمونيوم الموجودة على متن السفينة روسوس. ولم يأخذ أحد بهذه التحذيرات.
وانتقل سكاف بعد بضعة أشهر إلى موقع جديد تولى فيه منصب رئيس شعبة الجمارك في المطار. وعقب ذلك تم نقل شحنة السفينة روسوس في أواخر 2014 إلى مخزن في المرفأ. وفي الرابع من أغسطس الماضي انفجرت الشحنة فدمرت أحياء بكاملها مما أسفر عن سقوط قرابة 200 قتيل.
رأسه مضرج بالدماء
وتقول أسرة العقيد سكاف إنه كان يتعامل مع قضايا حساسة خلال فترة عمله في الجمارك بما في ذلك قضايا المخدرات. وأوضح المصدر المطلع على القضية أن بعض زملائه كانوا يحذرونه أحياناً، ويطالبونه بتوخي الحذر بسبب طبيعة عمله.
يذكر أنه في الساعات الأولى من صباح أحد أيام مارس 2017 تم العثور على سيارة سكاف متوقفة وأنوارها مضاءة قرب مسكنه. وكان رأسه مضرجاً بالدماء. وجثته ترقد على أسفل حافة حائط مكشوف ارتفاعه نحو 1.8 متر. وكان سكاف قد تقاعد قبل ذلك بفترة قصيرة ورشح نفسه في انتخابات مجلس النواب عن بلدته في جنوب لبنان. وكان عمره 57 عاماً.
كما قال إيلي شقيق سكاف إن الطبيب الشرعي الأول الذي فحص الجثة. أبلغه بأن العلامات الموجودة عليها تشير إلى أنه تعرض لاعتداء.