بقلم: أمل عبدالله الهدابي
تُدشن معاهدة واتفاقية السلام، اللتين وقعتهما دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين الشقيقة مع إسرائيل في واشنطن قبل يومين، لمرحلة جديدة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط شعارها «تحقيق السلام والاستقرار من خلال التعاون البناء والحوار المباشر»، بعد أن أثبتت العقود الماضية، أن القطيعة وغياب التواصل لم، ولن تحقق، أي سلام منشود، ولن توقف استنزاف موارد دول المنطقة في صراعات عبثية لا طائل من ورائها.
وتعزز الأجواء الاحتفالية التي شهدتها مراسم التوقيع على المعاهدة والاتفاقية، والتصريحات الرسمية الصادرة عن مختلف الأطراف المعنية، وحتى عن باقي مسؤولي دول المنطقة والعالم.
هذه النبرة التفاؤلية التي تنظر إلى المعاهدة والاتفاقية وإلى كل التحركات الرامية إلى تحقيق السلام العربي – الإسرائيلي عامة، باعتبارها خطوات مهمة وحاسمة في طريق تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة، وفتح المجال واسعاً أمام الاستفادة من الفرص الكبيرة التي يتيحها السلام والتعاون المثمر بين الدول المعنية لتحقيق التنمية والازدهار لكافة شعوب المنطقة، بالتوازي مع خلق آفاق جديدة أمام جهود تسوية القضية الفلسطينية بعيداً عن التشبث بالأساليب العقيمة التي لم تجدِ نفعاً في السابق، ولم تعد تناسب التطورات والأوضاع تشهدها المنطقة والعالم.
ويخطئ من يظن أن هذا التطور يشكل تحولاً في مواقف الإمارات وتوجهاتها، فالإمارات منذ عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تؤمن بأهمية الحوار والتعاون مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق السلام والتنمية للجميع.
كما عملت الدولة باستمرار على ترسيخ قيم التسامح والحوار وقبول الآخر على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية، فاستضافت على أرضها، العام الماضي، ممثلي أكبر ديانتين في العالم، وهما قداسة بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف، ورعت توقيعهما على «وثيقة الإخوة الإنسانية»، التي تجسد فلسفة الإمارات ورؤيتها الإنسانية السامية.
كما أنشأت بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بيت العائلة الإبراهيمية كرمز للحوار بين الأديان السماوية الثلاثة (الإسلامية والمسيحية واليهودية)، وغير ذلك الكثير والكثير من الأمثلة التي يصعب حصرها، والتي توضح أن توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، هو تطور طبيعي لسياسة الإمارات ويتفق مع توجهاتها ومبادئها التي تعلي قيم التسامح والحوار وقبول الآخر.
معاهدة السلام مع إسرائيل لن تكون، بطبيعة الحال، على حساب القضية الفلسطينية، كما يحاول الترويج قصار النظر والمستفيدون من هذه القضية، بل على العكس ستفتح هذه المعاهدات الباب أمام فرص جديدة لتسوية هذه القضية وتحقيق الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني؛ فمن خلال التواصل المباشر وبناء علاقات التعاون والمصالح المشتركة، ستكون هناك أرضية للحوار وإزالة جدران الشك والتوجس والخوف التي تعوق التوصل إلى سلام حقيقي بين الطرفين.
كما أن هذه المعاهدات تثبت أمام العالم أن العرب طالبو سلام حقيقي، وليس لديهم أي مشكلة في التعاون مع إسرائيل، وهو ما يضع الأخيرة في موقف المدافع ويضعف حججها في مواجهة المجتمع الدولي، ويضغط عليها لإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ومن ناحية أخرى، ستفتح هذه المعاهدات آفاقاً أرحب أمام تعزيز التعاون البناء بين الدول العربية وإسرائيل في العديد من المجالات التنموية المهمة، مثل التكنولوجيا الرقمية والاقتصاد المعرفي والصحة والتعليم والأمن السيبراني وغيرها من المجالات الواعدة.
وهذا التعاون لن يحصد ثماره الدول الأطراف فقط، بل المنطقة برمتها، التي سيتيح السلام لدولها، التفرغ لتحقيق التنمية والازدهار لشعوبها، ووقف استنزاف مواردها في هذا الصراع العبثي، والتركيز على المستقبل المشرق الذي تنشده لشعوبها.
بتوقيعهما على معاهدة واتفاقية السلام مع إسرائيل، توجه الإمارات وشقيقتها البحرين، رسالة واضحة للعالم، بأن العرب دعاة سلام، وأن إرث صراعات الماضي، لن يقف حائلاً أمام التوجه لصنع مستقبل أفضل لشعوب المنطقة، من خلال التعاون البناء والحوار المباشر ونبذ خطابات الكراهية والتطرف التي كلفت المنطقة الكثير من مواردها وأمنها ودماء أبنائها.