يكون الطلاق بالنسبة للزوجين صدمة عابرة، بينما بالنسبة للأطفال يكون كارثة وكأنه تبعثرت الدنيا بشكل مفاجئ وأعيد ترتيبها رأساً على عقب.
مهما كانت أعمار الأبناء يكون طلاق الوالدين صعباً عليهم، لأنّهما يشكّلان مصدر الأمان، ويكون الانفصال أشد قسوة على الأطفال ويترك في قلوبهم أثراً بالغاً، لأنه في هذا العمر تبدأ منظوماتهم العاطفية والعقلية بالتشكّل.
جميع الآباء يعرفون هذه الحقائق ولكنهم يتوقعون أن الصدمة أثرها مؤقت، ولايعلمون بأنها تصيب الأبناء بتشوهات نفسية تبقى معم طوال حياتهم.
أشارت اختصاصيّة تربية الطفل هديل الجعبري إلى أنّ المشكلة لا تنحصر بالطلاق كقرار له ظروفه وإجراءاته وتداعياته الشخصية على الزوجين فقد يكون الطلاق في بعض الأحيان الحلّ الأمثل والبديل عن تصاعد المشاكل اليومية بين شريكي الأسرة، لكنّ المشكلة مرتبطة بأطفالهما والانعكاسات التي سيتلقونَها من تشتت وعدم استقرار وإهمال من كافة الجوانب.
أول ما يتوجّب على الأبويْن أنْ يسجّلانه أثناء إجراءات الطلاق، ولن يغيب عن ناظريهما طول العمر، هو الفاجعة التي ستظهر على وجوه الأبناء لتحفر مكانها طول عمرهم، لأن الطفل لا يستطيع إخفاء مشاعره، فتظهر عليه ملامح الحزن سريعاً.
ثمّ يأتي بعد ذلك مستوى تحصيلهم العلميّ، فأكثر الأشخاص القادرين على معرفة واكتشاف سر تراجع أداء الطفل وضعف تركيزه في المدرسة هم المعلمون، فغالبيّة الوقت الذي يقضيه الطفل في المدرسة، كفيل باكتشاف المعلمة حالة الضياع وقلّة التركيز والبكاء أو الانعزال عن زملائه أحياناً.
عندما يجد الزّوجان راحتهما في الانفصال، فهما بكلّ تأكيد لا يفكران بمدى تأثير ذلك على قدرات طفلهما بشكل كبير، وحجم انعكاسه على سلوكه مع أقرانه في المدرسة.
فيصبح الطفل، بحسب ما تصفه “الجعبري”، شديد الحساسية لأيّ مسألة بسيطة، وعدوانياً في الوقت نفسه، وقد يعتدي على زملائه بالضرب أو الشتائم، ثم يمثّل أمام المعلّمة أنّه الضّحية من خلال لجوئه للبكاء كوسيلة لاستعطاف المعلّمة.
كما تضعف ثقته بنفسه وبالآخرين، إذْ يرى فيهم إمكانية التخلّي عنه كما فعل معه أبواه، وفي بعض الأحيان، يلتزم الصّمت ولا يتكلّم إلا إذا أجبرته المعلّمة على ذلك، ويمكن أنْ يتحدّث مع نفسه لاعتقاده بأنْ لا أحد يفهمه ويعرف احتياجاته إلا هو شخصياً.
وهذه تعد مسألة تدعو للاهتمام العميق جداً والوقوف عندها طويلاً، لتسجيل حجم التّشوّه النفسيّ والانحراف السلوكيّ والتخلّف في الأداء التعليميّ والعجز عن اكتساب المهارات المفترضة، وكلّها تتراكم وتتقاطع في سلوكيات الطفل الذي فقد مصدر الأمان والرعاية في البيت.
ولتقليل حجم التشوّه النفسي الذي لحق بالأطفال لا بد من وجود طُرق لرعايتهم وتربيتهم، وهو ما تتحمّل مسؤوليته المدرسة مع الأهل.
بعد التعرّف على الملف العائليّ للطفل، يُفترض العمل على معالجته نفسياً، بدءً من التحدّث مع أبويْه، وتبيان حجم معاناة ابنهما في المدرسة، ومدى تدنّي مستواه التعليميّ، ومعاناته النفسيّة، لربّما يجدان السّبل الكفيلة لحلّ مشكلة ابنهما.
وعلى المدرَسة الاهتمام بحالة هذا الطفل ودعمه على الصعيديْن النفسيّ والمعرفيّ والبقاء إلى جانبه.
أوّل المطلوبات هو التعامل معه من منطلق أبويّ قبل التعلّم المدرسي، إلى جانب استعادة ثقته بنفسه، ومراعاة الظروف التي يعيشها والاهتمام بالجانب المعرفي ليكون مميزاً أسوة بأقرانه، قادراً على حل واجباته ودراستها، وكي لا يتعرّض لمضايقات من زملائه إنْ شعر باختلافه عنهم، ولا يتعرّض إلى عنف طلابيّ يجعله عدوانياً انطوائياً.
وإنْ لم تتمكن المعلمة من التعامل معه، يمكنها عرضه على مرشدة المدرَسة ليعبّر عمّا يجول في خاطره.
وقالت “الجعبري”: إنْ كان الطلاق في أوقات كثيرة هو الحلّ الأسلم للأسرة بأكملها، فإنه يُفترض بالأبويْن قبل اهتمام كلّ طرف بحياته وسعادته، أنْ لا ينسى الواحد منهما طفله الذي تخلّى عنه في ظلّ حاجته له، لكنّها الأنانية في معظم الأحيان التي تجعل الزوجين ينفصلان دون معرفة حقيقية بما يسبّبانه لأطفالهما من شروخ عميقة لا تفارقهم بقيّة حياتهم، والرّهان الأقوى في كلّ الأوقات يقع على الزوجة وما يقال عن استعدادها الفطريّ للإيثار والتضحية.