أشار أطباء إلى أن الإجراءات المكثفة لمكافحة عدوى فيروس كورونا المستجد، والتزام أفراد المجتمع بقواعد التباعد الاجتماعي والتعليمات الصادرة عن الجهات الصحية، نجحت في محاصرة الفيروس.
وشهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً في عدد الفحوص اليومية مقابل انخفاض في عدد الإصابات الجديدة، مع زيادة يومية في حالات الشفاء، محذرين من أن هذه المؤشرات الإيجابية لا تعني انتهاء الجائحة في الإمارات، والعودة لممارسة الحياة بشكلها قبل ظهور الفيروس، مشددين على أن الفترة المقبلة تعتمد على الوعي والوقاية والالتزام، حيث إن خطر “كوفيد-19” مازال قائماً.
واستطاعت دولة الإمارات النجاح في محاصرة فيروس كورونا المستجد منذ بداية ظهوره، حيث يشكل العدد الإجمالي لحالات الإصابة بالفيروس أقل من 0.38% من سكان الدولة، و 56.2% منهم تعافوا تماماً من أعراض المرض بعد تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة، كما ارتفع متوسط الفحص اليومي من 25 ألف فحص إلى أكثر من 40 ألف فحص، فيما انخفض معدل الإصابة أخيراً من متوسط 800 إصابة يومياً إلى أقل من 600 إصابة، مقابل ارتفاع كبير في نسب الشفاء وتناقص في أعداد المرضى الذين لايزالون يتلقون العلاج.
وقال استشاري الأمراض المعدية في مستشفى الرحبة، ومسؤول الإشراف على تشخيص وعلاج ومتابعة حالات المصابين بفيروس كورونا المستجد، الدكتور جهاد صالح، أن معدل انتشار فيروس كورونا في الإمارات تراجع بسبب عوامل عدة، أهمها نظام المسح الوطني، والاستقصاء وعزل المخالطين وفحصهم، ما قلل الإصابات بشكل كبير وأسهم في انحسار تدريجي للفيروس، وفقاً لما ذكره موقع “الإمارات اليوم”.
وأضاف صالح: “المريض الذي يعاني أعراض كورونا يعدي من ثلاثة إلى أربعة أشخاص، ويقل العدد جداً إذا لم يكن المريض يعاني أي أعراض، خصوصاً أن السعال والعطس هما السبب الأخطر في نشر العدوى”.
وأشار إلى أن الجهات الصحية في الإمارات تراقب الحالات عن قرب، وهي من تقرر متى يمكن القول إن خطر فيروس كورونا “انتهى”.
وأوضح صالح: “لا يوجد إثبات علمي على ضعف الفيروس عند انتقاله من مريض لآخر، وقد مرت علينا حالات كان الفيروس ضعيفاً وحالات كان شرساً، والأرجح أن الفيروس يتحور وينتج سلالات جديدة، وحسب شراسة السلالة ومناعة الشخص تكون المضاعفات»، لافتاً إلى أن تناقص العدد الكلي للمرضى في المستشفيات يرجع إلى كفاءة المنظومة الصحية الإماراتية والبروتوكولات العلاجية المستخدمة”.
وأكد صالح على أهمية استمرار أفراد المجتمع في الالتزام بالإجراءات، في مقدمتها الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
نوّهت استشاري الأمراض المعدية بمدينة خليفة الطبية، الدكتورة موزة الحساني، إلى أن النسبة والتناسب بين زيادة أعداد الفحوص، وتراجع أعداد الإصابات الجديدة، تُعد مؤشراً إلى أن الإجراءات الاحترازية في محلها وحققت نتيجة إيجابية، لكن لتأكيد هذا الأمر نحتاج إلى أسبوعين إضافيين خصوصاً أننا قمنا بتخفيف الإجراءات وفتح غالبية مراكز التسوق، وتعديل برنامج التعقيم الوطني، بجانب عودة 50% من الموظفين إلى الدوام المكتبي، وتخفيف القيود على غالبية الأنشطة بشكل عام.
وأضافت الحساني: «حتى نستطيع القياس الصحيح فمن المفترض أن نقيس هذه المؤشرات على مدار فترة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وفي حال استمرت حالات الإصابة الجديدة بالمعدل نفسه أو أقل، فهذا يعني أن الإجراءات الاحترازية كانت كافية وتم محاصرة الفيروس بشكل كبير، وفي حالة حدوث زيادة في الأعداد مرة أخرى فهذا يعني أنه لايزال هناك حاجة إلى اتباع الإجراءات الاحترازية أو رفع هذه الإجراءات إلى مستوى أعلى»، مشيرة إلى أن سرعة انتقال الفيروس من المريض إلى آخرين مازالت لأكثر من شخصين، لذلك من المهم الحفاظ على التباعد الجسدي أكثر من التركيز على أن الفيروس ضعف أم لا.
وقال رئيس قسم برامج الأمراض المعدية في مركز أبوظبي للصحة العامة، المتحدث الرسمي والمسؤول الطبي لمدينة الإمارات الإنسانية، الدكتور فيصل الأحبابي: “لا نستطيع إنكار أن زيادة عدد الفحوص اليومية وتراجع أعداد الإصابات الجديدة، يعد مؤشراً إيجابياً، إلا أن هذا الأمر لا يعني التخفيف أو التساهل في الإجراءات الاحترازية، لأننا لم نصل إلى هذه المرحلة إلا بتضافر الجهود، وتعاون جميع فئات المجتمع مع المنظومة الصحية، ولابد من استمرار هذا التعاون والالتزام”.
وتابع الأحبابي: “ما ساعد في عملية الاستجابة هو جاهزية الكادر الطبي وقدرته على استيعاب كل حالات الإصابة، وتقديم الرعاية المطلوبة لهم، وساعد في ذلك إنشاء المستشفيات الميدانية، وأماكن العزل، والمدينة الإنسانية وفنادق العزل، ما أسهم في تخفيض الضغط على المنشآت الطبية وإتاحة الفرصة لحالات الإصابة المتوسطة والمتقدمة في تلقي الرعاية الطبية اللازمة، وزادت قدرات القطاع الصحي الإماراتي حول كيفية إدارة أزمة (كورونا)”.
نوّه طبيب طب الطوارئ (طبيب مقيم)، في مدينة الشيخ خليفة الطبية، الدكتور محمد إبراهيم الهياس، إلى أنه يمكننا الجزم بأن الإجراءات المكثفة لمكافحة عدوى “كوفيد-19″، والتزام المجتمع بقواعد التباعد الاجتماعي، واتباعهم للتعليمات الصحية، أسهمت في تسطيح الموجة الأولى لفيروس كورونا، مشيراً إلى أن التقارير المحلية والعالمية كافة تشيد بريادة النهج الاستباقي لدولة الإمارات في التصدي لفيروس كورونا المستجد، والوقوف في وجه انتشاره، حيث تتصدر الإمارات دول العالم في عدد الفحوص وتحل في مراتب متقدمة في مؤشرات كفاءة وجاهزية أنظمة الطوارئ والصحة بشكلٍ عام.
وقال: “بناء على المعطيات الحالية، نستطيع القول إن الوضع الصحي العام تحت السيطرة وإننا نجني ثمار نتائج توسيع نطاق الفحص المبكر والتقصي المستمر واستمرارية الإجراءات الاحترازية والوعي المجتمعي”.
وأشار الهياس إلى أنه من الصعب على أي مختص التكهن بتاريخ أو مدة زمنية معينة للوصول لعدد صفر حالات إصابة، لوجود عدد من العوامل والمتغيرات المؤثرة التي قد يكون لها تأثير إيجابي أو سلبي في انتشار المرض، وحدوث موجات أخرى لزيادة الحالات أو استمرارية الانحسار.
منوهاً إلى أن الملاحظ هو انحسار عدد الحالات الحرجة بشكل عام في الدولة وانخفاض أعداد الوفيات، والذي يعد من المؤشرات الإيجابية ومن ثمرات القيادة الاستثنائية لإدارة الأزمة والتعامل معها، وتكاتف المجتمع مع خطوط الدفاع الأولى في كبح انتشار الفيروس.
وأوضح استشاري أمراض الروماتيزم في مستشفى الدكتور سليمان الحبيب، الدكتور وليد الشحي: “بدأ فيروس كورونا في الانحسار نتيجة جهود الحكومة، حيث انخفضت نسبة إعادة العدوى 0.78%”، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تتجاوز الإمارات 50% من الفحوص لسكان الدولة بنهاية يونيو الجاري.
وأكد الشحي، عبر حسابه على”تويتر”، على ضرورة استمرار الالتزام بالإجراءات الاحترازية حتى يستمر معدل الإصابات في التناقص من خلال الحفاظ على التباعد الجسدي بمقدار مترين بين الأشخاص، وارتداء الكمامة والقفاز وغسل اليدين قبل الخروج من المنزل وبعد الدخول، مع استمرار تطهيرهما بمعقم يحتوي على نسبة كحول لا تقل عن 70% عند لمس أي سطح خارجي.
وحذر الشحي من أن أي نظام طبي في العالم مهما وصلت درجة جاهزيته وتقدمه، لن يستطيع تقديم خدماته بكفاءة عالية ما لم يلتزم أفراد المجتمع بالتباعد الجسدي، مع اتباع نظام غذائي صحي لرفع مناعة الجسم، مشيراً إلى أن التحكم بمرض «كوفيد-19»، يستلزم أن يعتاد أفراد المجتمع على الإجراءات الاحترازية، خصوصاً أن الكمامة ستكون جزءاً من حياتنا حتى يتم اكتشاف مصل لهذا المرض، مع استمرار التوقف عن ممارسة العادات الاجتماعية التي تستلزم التقارب الجسدي، في مقدمتها عادة تقبيل الرأس واليدين لكبار السن.
وأفادت المتحدث الرسمي باسم القطاع الصحي في الدولة، الدكتورة فريدة الحوسني، على جاهزية القطاع الصحي الإماراتي، عبر منظومة تعمل على مدار الساعة تضم برنامج التعقيم الوطني، وتوسيع نطاق الفحوص، وبرنامج الفحوص المنزلية لأصحاب الهمم، وبرامج فحص المواطنين وفئات من المقيمين، و24 مركزاً للفحص من المركبة، ومستشفيات ميدانية، ودعم آلاف المتطوعين المتخصصين.
وشددت الحوسني على أن المرحلة المقبلة تعتمد على الوعي والوقاية والالتزام، حيث إن خطر «كوفيد-19» لايزال قائماً، ومخطئ من يظن أن السماح بعودة الأنشطة هو إيذان بانتهاء هذا الوباء، بل هو تشارك في المسؤولية بين الفرد والدولة. وشددت الحوسني على أن العودة التدريجية للحياة الطبيعية لن تؤتي ثمارها دون تعاون ووعي مجتمعي، حيث يتطلب ذلك التزاماً من الجميع مواطنين ومقيمين، لأن رهاننا في المرحلة المقبلة قائم على تشارك المسؤولية، وكل التدابير الاحترازية مرهونة بمدى تجاوب الأفراد وتحملهم المسؤولية، لذا يجب أن يظل تكاتفنا مستمراً ونزيد من إجراءاتنا الاحترازية للتغلب على هذا التحدي.