نشرت فتاة منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي وصفت فيه عواطفها المختلطة حينما تلقت اعتذارا غير متوقع أبدا من أول حبيب لها خلال الإغلاق بسبب فيروس”كوفيد-19″،ودفع انتشاره عشرات من الآخرين إلى الحديث عن تجاربهم المماثلة.
وحاورت بي بي سي مع بعض من تلقوا اعتذارات خلال الإغلاق، وبعض من كتبوا مثل هذه الاعتذارات.
عندما كانت تتصفح، إرنا بعض المواقع الإخبارية على جهاز الكمبيوتر، في مساء يوم جمعة خلال الإغلاق، متنقلة بينها وبين مواقع التواصل الاجتماعي، تلقت رسالة على بريدها الإلكتروني من جيمس.
وتوقفت إرنا لحظات قبل أن تفتح الرسالة، وهي تحاول تذكر آخر مرة وردت فيها صورة حبيبها الأول على خاطرها.
وكانت بداية الرسالة تقول: “إرنا، أعرف أن رسالتي غير متوقعة، ومتأخرة عن موعدها سنوات. لكنها رسالة أحسست أنني بحاجة إلى إرسالها”.
كانت إرنا في الـ16 من عمرها، حينما التقت بجيمس لأول مرة، وكانت تتهيأ للتعرف على صديق، فهذه خطوة طبيعية لفتاة في سنها، وفي نمط حياتها.
ويذكر أن، إرنا ولدت في مدينة موسكو بروسيا.
رسالة جيمس
والجدير بالذكر، أن إرنا أنتقلت رسالة جيمس. في تلك الرسالة، التي بلغ حجمها 800 كلمة، شرح جيمس لها كيف أن الإغلاق ساعده في إعادة تقييم سلوكه في الماضي، وكيف أنه شعر بأنه مدين لها باعتذار، بسبب عدم نضجه خلال السنوات الماضية.
واعتذر جيمس بلا مواربة عن تصرفه، قائلا إنه أحس بالحرج عندما قرأ رسائله النصية السابقة لإرنا.
ثم اعترف لها اعترافا مذهلا. فقال إنه لم يخدعها في حياته. وكانت تلك كذبة منه حتى يثير إعجاب أصحابه.
وقال إنه تطوع لمساعدة الناس خلال الإغلاق، وإن لديه الآن بعض الوقت ليتأمل حياته وسلوكه، وليفكر في علاقات الناس ببعضهم بعضا، وكيف يجب أن يكونوا لطفاء مع الآخرين.
رد إرنا على الرسالة
وأحست إرنا بعد أن قرأت الرسالة، التي نقلتها إلى الماضي، بعواطف مختلطة لم تساورها منذ سنين، وأنها بحاجة إلى الخروج والسير قليلا في الهواء الطلق.
وعندما عادت إلى البيت قررت أن ترد على الرسالة، ودعته في رسالتها الأولى إلى ألا يقسو على نفسه، فكل إنسان يخطئ، خاصة في سن الشباب. ثم تعرضت لموضوع اعتذاره.
وقالت: “ليس لدي رد فعل على الاعتذار. ربما لأني غفرت لك، وربما لأني لم أعد أهتم. وأرجو أن تفهم أنني لا أحمل تجاهك أي ضغينة”.
ثم فكرت للحظات وسألت نفسها هل هذا رد عادل من جانبها. وتقول: “أعتقد أنه كان بحاجة إلى الشعور بالتكفير عن خطئه، من جانبي، لكني لست أنا الشخص الذي يمكن أن يمنحه هذا، بل عليه هو أن يفعل هذا لنفسه”.
وأرسلت إرنا الرسالة، وعادت إلى جهاز الكمبيوتر، وإلى حياتها.
كريس البالغ من العمر 26 عاما أرسل اعتذارين لحبيبتين سابقتين
كان كريس في اليوم الـ10 من الإغلاق حينما بعث برسالة نصية إلى سارة.
وكانت آخر مرة رآها فيها وهي على الأرض في غرفتها وقد أجهشت بالبكاء وسالت دموعها. وتركها هكذا بعد أن طلبت منه ذلك.
ويذكرأن، تلك نهاية محادثة عاطفية طويلة ونهاية علاقة بينهما استمرت ثمانية أشهر.
في السنوات التي تلت ذلك كان يفكر فيها من وقت لآخر، ولا يزال كل منهما يتابع الآخر على وسائل التواصل الاجتماعي. لكنها أصبحت بالنسبة إليه ذكرى، صديقة تعرف عليها في دراسته الجامعية.
والآن وبعد سبع سنوات، و10 أيام من الإغلاق العام، أخذت صورتها وهي على الأرض تبكي تخطر على بال كريس من جديد.
بدأ كريس الحجر في 10 مارس/آذار، وهو اليوم الذي نصحت فيه لجنة الطوارئ الوطنية في الولايات المتحدة المطاعم والحانات بإغلاق أبوابها، وطلب أمر رئاسي من الناس العمل من البيت، إذا استطاعوا ذلك.
كان يومه، قبل ذلك بأسبوع، يبدأ في الساعة 05:30 صباحا، عندما يستيقظ، ثم يعمل مع زملائه في القاعدة العسكرية في قسم تكنولوجيا المعلومات، ويعود إلى البيت ليستحم ويأكل ثم يعود إلى القاعدة. وكان يعيش وحده في شقة قريبة من القاعدة في ولاية ميسوري.
وعندما ينتهي من العمل كان يعود إلى شقته مرة أخرى، ثم يخرج مع أصدقائه أو يعد عشاء له، ويظل على الإنترنت حتى ينام.
ومع بدء الإغلاق العام، أصبح لديه وقت فراغ أكثر. وشغل نفسه أول الأمر. ولكن بعد 10 أيام من الإغلاق، ومحادثات عبر تطبيق زووم، وممارسة التمرينات مع بعض فيديوهات اليوتيوب، ومتابعة بعض المسلسلات التلفزيونية، بدأ ذهنه يسترجع صور أول حبيبة له.
علاقته بسارة
كان قد التقى بسارة عندما كانا في الـ18، وهو في أكاديمية عسكرية. وهو الآن في الـ26.
ويقول: “كانت العلاقة مكثفة جدا، كنا نقضي وقتنا كله معا، وكانت خططنا معا، وكانت هويتنا واحدة”.
وفي بداية عملهما في الجيش الأمريكي، وهما في أول الشباب، تشاركا في نفس التجربة. وبدأت علاقة سارة المضطربة مع أسرتها تستهلك طاقتها، بحسب ما يقوله كريس، الذي شعر أنه عاجز عن مساعدتها.
وعندما أبلغها بذلك، قائلا إنه لا يظن أنهما يستطيعان الاستمرار معا، أجهشت سارة بالبكاء وجلست على الأرض. وشعرت بأنها تدمرت، وقالت إنها أحست أن نهاية العلاقة كانت مفاجئة.
وتجنب كل منهما الآخر حتى أنهيا فترة الأكاديمية، ولكنهما ظلا يتابعان بعضهما على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي 19 مارس/آذار كتب لها كريس رسالة نصية.
وقال فيها: “سارة، أعرف أنه مر وقت طويل. لكنني أشعر أن الطريقة التي انتهت بها علاقتنا لم تكن صحيحة، وأن الطريقة التي عاملتك بها في نهاية علاقتنا كانت مؤذية لك. لقد مر وقت طويل ونحن منفصلان، لكنني أريد وصل حبل الود مرة أخرى، وأترك لك الأمر، وأرجو أن تكوني في أحسن حال”.
وجاءه الرد مباشرة
فقد أجابته سارة قائلة: “إنني بخير”. وعاد الاثنان إلى تبادل الرسائل مرة أخرى. لكنها سارعت بحسم الأمور، حتى تتفرغ لعملها الجديد في التدريس الذي تحبه.
وأخبرته بأن علاقتها مع أسرتها تحسنت. وقال كريس: “قالت سارة إنها مرت بمرحلة لم تكن تطيق رؤيتي فيها، لأنني آلمتها. ولكن هذا الشعور تغير الآن. وتقول إنها الآن أدركت أن كلا منهما لا يناسب الآخر”.
وبسبب دفء مراسلتهما أول الأمر تشجع كريس فكتب لصديقة سابقة أخرى، هي ليزا.
تعرف كريس وليزا عبر تطبيق “تندر” في عام 2016. حينما كانا يعيشان في مدينتين مختلفتين. وكانت هي تعيش في واشنطن دي سي، حيث توجد عائلة كريس. واستمرت علاقتهما معظم الوقت على الإنترنت.
ويقول كريس: “كنا ندردش على جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي تقريبا، بواسطة الرسائل معظم الوقت”.
في البداية دردشا عبر الفيديو، لكن هذا قل مع الوقت. وكانا يتقابلان كل عدة أشهر، فيتواعدان حينما يكونان في مكان واحد في نفس الوقت. وبعد عامين بدأ هذا أيضا يقل، لكن بقيت علاقة الصداقة على الإنترنت.
وفي ليلة رأس السنة في 2018، وجدت ليزا وكريس نفسيهما في نفس المدينة، ورتبا ليلتقيا في الاحتفال بعيد رأس السنة مع صديق آخر مشترك، وهو صديق ليزا الجديد سام، الذي كانت قد أخبرت كريس عنه.
وكانت تلك هي المرة الأولى التي يقابله فيها كريس. وبدأت الليلة بطريقة ودية، إلى أن سكروا من كثرة تناولهم مشروبات كحولية.
وخلال الحديث ذكر كريس شيئا كانت ليزا قد أسرت به إليه عن سام. وأحس كريس بأنه أخطأ لأن الأمر كان شخصيا جدا، وأحس بأن الثقة بينهما قد انتهكت. وفي النهاية وبعد جدل غادرت ليزا وسام المكان، تاركين كريس وتوجها إلى مكان آخر. ثم كتبت ليزا لكريس رسالة عبرت فيها عن غضبها لمشاركته سرها مع سام.
وبعد أن كتب كريس لسارة، كتب أيضا لليزا
وقال في رسالته إليها: “كنت وما زلت مهمة بالنسبة إليّ. إنني آسف جدا عما بدر مني في تلك الليلة. أعرف أنني تجاوزت الحدود، وكنت أتمنى لو لم أفعل. أرجو أن تكوني في أحسن حال خاصة مع حالة الإغلاق العام”.
وجاءت إجابة ليزا في اليوم التالي.
وقالت إنها بخير. وإن الإغلاق لا يزعجها، وإنها هي وسام تزوجا. وتبين أنها لا تريد الاستمرار في المحادثة. ولم تعلق على اعتذار كريس أو تقبله.
ويقول كريس إنه يتمنى أن يكون اعتذاره للمرأتين قد جاء في موعده، حتى وإن لم يدخل حالة الإغلاق في الحسبان.
وأضاف: “ربما كانت رسالتي رسالة مخمور في منتصف الليل”.
ويقر كريس بأن اعتذاريه قد ينظر إليهما باعتبارهما عمل أناني، ولكن هذا لم يكن هو دافعه وراء تقديمهما.
ويقول كريس: “لا أستطيع أن أخفي أن أملي في العفو كان عاملا، ولم أكن أتوقع ردا منهما. وحتى إن لم تغفرا لي فلا بأس. كل ما أردته هو أن تعرفا عدم رضاي عن تصرفي في الماضي”.
لماذا نعتذر؟
تحدثنا إلى ناستران تافاكولي-فار، إحدى مضيفتي بود كاست “عقدة النوع (الجندر)”، التي تتناول قضايا الثقافة، والتي قدمت كثيرا من البرامج عن الأسباب النفسية وراء الاعتذار، والدوافع التي تدفع بعضنا إلى تقديمه.
وتقول تافاكولي-فار إن حالة الإغلاق العام عامل، يضيف بعدا آخر.
وتضيف: “هذا هو السبب الواضح وراء التفكير في سلوكنا، إذ إن لدينا الكثير من الوقت للتفكير. وكثير من العوامل التي تحول بيننا وبين التفكير في تصرفاتنا غير موجود الآن، مثل السفر واستخدام المواصلات العامة يوميا، واستضافة الآخرين”.
وتقول: “لكن هناك فرصة للتفكر في علاقاتنا، وطرح الأسئلة الكبرى بشأن هدفنا في الحياة، وما الذي سنخلفه لمن بعدنا”.
ولكنها تقول إن الاعتذار مسألة بحاجة إلى التأمل. وتقول: “أنت لا تقدم اعتذارا لتحسين شعورك. إذ إن الاعتذار هو الخطوة الأولى لإصلاح العلاقات. ويجب أن تكون مستعدا لتلقي الرد الذي يشعر الشخص الآخر أنه بحاجة إليه، مهما كان”.
وتضيف: “كما استغرقت وقتا في التفكير في التصرفات السيئة التي بدرت منك، فكذلك يحتاج الشخص الآخر المتلقي للاعتذار إلى بعض الوقت، فقد تثير باعتذارك بعض العواطف التي قد لا يرحب بها في الوقت الحالي”.