مع اقتراب اليوم العالمي للامتناع عن التدخين (31 أيار 2020)، أطلق مركز ترشيد السياسات في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، مستند الاستجابة السريعة لحث الحكومة اللبنانية على مكافحة التبغ خصوصاً في زمن الكورونا، في مؤتمر أقيم يوم الثلاثاء الواقع في 19 أيّار 2020 في حرم الجامعة.
ويشمل المستند إجراءات فورية للحكومة للحد من التدخين وسط هذه الأزمة الصحية، بالإضافة الى خارطة طريق طويلة الأمد، لتطبيق القانون 174 والغاء تضارب المصالح بين شركات التبغ وحلفائهم على حساب الصحة العامة.
تُشرك هذه الإجراءات كل الوزارات المعنية، من وزارة الصحة العامة، وزارة الاقتصاد والتجارة، وزارة العدل، وزارة الداخلية والبلديات، وزارة السياحة، وزارة النقل ووزارة الإعلام، لتشكيل قوى تنفيذية متعددة القطاعات والاختصاصات، لإعادة اعتبار للقوانين، قيمتها وأهميتها بتأمين المصلحة العامة.
الإطار:
مع العمل تدريجياً على تخفيف إجراءات الحظر ونشر وزارة الداخلية مذكرة 48/أ.م/ 2020 المتعلقة بفتح وإقفال المؤسسات، ومن ضمنها المطاعم، سيعود المواطنون تدريجياً الى الارتداد الى المطاعم والمقاهي ضمن شروط، أهمها عدم تقديم “الأرغيلة” للزبائن، نظراً لعلاقتها المحفزّة بالإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
ولكن ماذا عن فترة ما بعد كورونا أو عند انتهاء التعبئة العامة؟ ومع هذا السؤال يُفتح ملف إبطال تطبيق بعض بنود القانون 174 الذي يهدف الى “الحد من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ” والذي تم تشريعه عام 2011، ودخل حيّز التنفيذ عام 2012. قانون قوبل بالعديد من الحملات الشرسة من بعض الجهات التي فضّلت مصلحتها الشخصية على المصلحة العامة ومنها، منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة. بالإضافة الى ذلك، تعتبر هبة إدارة حصر التبغ والتنباك للحكومة اللبنانية بقيمة مليون دولار المخصصة لأجهزة التنفس وإعادة الطلاّب المتعثرّين مادياً من الخارج، انتهاكًا واضحًا للمادة 5.3 من اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ، التي وقّع عليها لبنان عام 2005.
المؤتمر:
وكان قد شارك في هذا المؤتمر كلّ من الدكتورة ريما نقاش، المديرة المشاركة لمركز ترشيد السياسات، النائب الدكتور عاصم عراجي، طبيب القلب والاوعية والشرايين ورئيس لجنة الصحة النيابية، ورنا صالح، أخصائية مناصرة السياسات الصحية في مركز ترشيد السياسات، بالإضافة إلى الدكتور عماد بو عقل، أخصائي الطب الرئوي وارتفاع ضغط الدم الرئوي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت والسيدة رانيا بارود، إعلامية ومناصرة لقانون 174.
وأوضح بو عقل العلاقة بين التدخين وزيادة خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة بين مرضى فيروس كورونا المستجدّ من المدخنين، وكذلك زيادة خطر الإصابة بالفيروس من خلال تكرار حركات الاتصال بين الوجه واليدين، ومن خلال مشاركة مختلف أجزاء الأرغيلة (حجرة المياه ، والنربيش، والقطعة البلاستيكية التي توضع في الفم (المبسم) ما يضرب في عرض الحائط مبدأ التباعد الاجتماعي، ويقلل من المناعة، ويزيد الاستعداد لعدوى الجهاز التنفسي.
وأشارت نقاش: “إننا نشهد اليوم فرصة مثالية لدعم التنسيق بين الوزارات والقطاعات المعنية وتطبيق إجراءات التعبئة العامة، ومن هنا، نطلب الاستفادة من النجاحات التي تحققت طوال هذه المرحلة لاستنتاج كيفية تطبيق القانون 174 بفعالية، وبكل بنوده”.
وشددت على ضرورة منع تدخل مصنّعي التبغ وحلفائهم في عملية صنع القرار ورفض أي تمويل منهم لاعتباره غير قانوني، إلى جانب التحكم في المصالح المتضاربة التجارية وغيرها من المصالح المكتسبة في خضم الاستجابة كوفيد-19 وما بعدها، وفقًا للمادة 5.3 من اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التبغ.
وأكدت صالح، أن القانون 174 على الرغم من تطبيق العديد من بنوده، يبقى تطبيق حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة ضعيف جداً، نظراً للإرادة السياسية المحدودة من قبل الحكومات المتتالية، وانخفاض مستويات التنسيق بين السلطات المسؤولة، وتضارب المصالح الخاصة، وتدخّل مصنّي التبغ وحلفائهم في عملية صناعة هكذا قرارات. كما ولا تزال منتجات التبغ في لبنان متوفرة بشكل كبير وبأسعار معقولة، سهلة المنال أينما ذهب شبابنا. وتساءلت الى متى ستغلب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة؟ والى متى ستبقى بعض الجهات فوق القانون؟
ولفتت بارود، إلى أن “المجتمع المدني ساهم لأكثر من عقد في دعم أجندة مكافحة التبغ والتدخين، ومستمرون”. وطالبت بالتزام الحكومة بمكافحة كوفيد-19 من خلال إعادة تطبيق القانون 174 كجزء لا يتجزأ من جهود مكافحة هذا الفيروس.
وأكد عراجي، أن لجنة الصحة النيابية قد درست عدة قوانين من شأنها الحد من جائحة التدخين في لبنان، وان اليوم هو الوقت المثالي لإعادة النظر بكيفية تطبيق القانون 174 للحد من مخاطر التدخين، وشدد على التزام اللجنة باتخاذ إجراءات لدعم هذا الملف.
في النهاية، تم التأكيد أنه رغم كلّ عواقب كوفيد-19، إلا أن هذه الفترة تُعتبر الوقت الأمثل للإقلاع عن التدخين وإعادة تطبيق قانون 174، لما أظهرته قوانين، تشريعات وسياسات الصحة العامة من أهمية على الصعيد الوطني والعالمي.