متابعة: نازك عيسى
في مرحلة ما قبل المدرسة، يحب الأطفال مشاهدة نفس الحلقة من برنامجهم المفضل مرارًا وتكرارًا، حتى لو كانوا قد شاهدوها للتو، وعندما يحين وقت النوم، يتوقعون أن يُقرأ لهم الكتاب نفسه مرات عديدة، بحيث يكون لديهم في أذهانهم أصوات شخصياته المختلفة. هذه الظاهرة شائعة بين الآباء والأمهات، ويعود السبب وراء هذه الرغبة المتكررة إلى فوائد كبيرة على تعلم الأطفال ورفاهيتهم.
توضح دراسة أجرتها جامعة شيفيلد هالام البريطانية أن أحد الأسباب الرئيسة وراء هذا التكرار هو ما يُسمى “التعلم الإحصائي”. إن هذه الظاهرة تحدث عندما يكون الأطفال حساسون جدًا لاكتشاف الأنماط والانتظامات في حياتهم اليومية.
من المثير للاهتمام أن الأطفال يمتلكون مهارة خاصة في إدراك أنماط معينة في المواد التي يتعرضون لها، مثل تكرار أصوات معينة في الكلام الموجه إليهم. لكنهم يحتاجون إلى العديد من الأمثلة ليتمكنوا من اكتشاف هذه الأنماط. على سبيل المثال، في جميع اللغات، تميل الأصوات المستخدمة في الكلمات إلى اتباع أنماط محددة.
يشرح الباحثون أن “في اللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، بعض التركيبات الأكثر شيوعًا لثلاثة أحرف هي “the” و”and” و”ing”. ويبحث دماغ الطفل عن هذه الأنماط لأنه يساعده على تعلم اللغة”. لذا، عندما يعود الأطفال لمشاهدة نفس العرض التلفزيوني أو الاستماع إلى نفس القصة، فإنهم لا يفعلون ذلك فقط لأنهم يحبونها، بل لأنهم يسعون لاكتشاف هذه الأنماط وتعزيزها.
بالإضافة إلى فوائد التكرار في تعلم اللغة، له تأثير كبير على مشاعر الأطفال، وهو ما يُعرف بـ “تأثير الرفاهية”. في مرحلة الطفولة، يتمثل الهدف الأساسي في التعلم، مما يعني أن الأطفال يبحثون بنشاط عن تجارب ومحفزات جديدة. ومع ذلك، يمكن أن يكون التعامل مع أشياء جديدة ومختلفة أمرًا مرهقًا، حتى للأطفال الذين يمتلكون طاقة غير محدودة.
إن العالم قد يكون مكانًا غريبًا وأكثر إجهاداً للأطفال مقارنة بالبالغين، ولذلك فإن المحفزات المعروفة، مثل إعادة مشاهدة حلقة تلفزيونية شاهدوها مرات عديدة، تقدم لهم شعورًا بالراحة والأمان، مما يساعد على تخفيف هذا التوتر والقلق.
كما أن الانغماس في نشاط يحبونه يمكن أن يمنح الأطفال شعورًا بالسيطرة والإتقان، مما يعزز رفاهيتهم النفسية. إضافة إلى ذلك، توفر لهم القدرة على اختيار الأنشطة التي يستمتعون بها شعورًا بالاستقلالية والتحكم في حياتهم، وهو أمر نادرًا ما يتمتعون به في ظل روتينهم اليومي المليء بالتحركات والقرارات التي يتخذها الآباء.
إجمالًا، لا يُعتبر تكرار الأنشطة المفضلة لدى الأطفال مجرد عادة أو ترفيه، بل هو جزء مهم من عملية تعلمهم وتكيفهم مع العالم من حولهم.