متابعة: نازك عيسى
قد يصبح بإمكان الأطباء قريباً تشخيص شكل حاد من الاكتئاب بمجرد النظر إلى وجه الشخص، حيث يظهر المصابون بهذه الحالة الشديدة نقصاً كبيراً في التعبير عن المشاعر، حتى عند مشاهدة المواقف العاطفية.
تُعرف هذه الحالة بالاكتئاب الكآبي، ويتميز المصابون بها بفقدان تام للاهتمام بالأنشطة اليومية، وعجز عن الشعور بالمتعة، بالإضافة إلى مشكلات في النوم، وبطء في الحركات والكلام والأفكار، والانفعال، والأرق، وآلام الجسم، وصعوبات في التركيز.
يقدر الباحثون أن حوالي 5% إلى 10% من المصابين بالاكتئاب يعانون من الكآبة، مما قد يشير إلى أن العدد قد يصل إلى مليوني شخص في الولايات المتحدة وحدها.
أظهرت دراسة حديثة أن المصابين بالاكتئاب الكآبي في مراحله المبكرة يظهرون تعبيرات وجهية مختلفة أثناء مشاهدتهم لمواد معينة. على العكس، لا يزال الأشخاص المصابون بالاكتئاب العادي قادرين على الضحك والتفاعل مع المشاعر أثناء مشاهدة مقاطع فيديو مضحكة.
وفي السياق ذاته، لاحظ الباحثون أن المصابين بالكآبة أظهروا نشاطاً دماغياً أقل في المناطق المرتبطة بإنتاج المشاعر وحركات الوجه، مما يوحي بأن الطريقة التي يشعرون بها بالعواطف تكون مشوشة أو ضعيفة.
هذا التفاوت البيولوجي قد يفسر الشعور بالخدر وعدم الاهتمام الذي يختبره بعض المصابين بالكآبة، حيث تتضاءل عواطفهم على مستوى بيولوجي.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور فيليب موزلي، مؤلف الدراسة من معهد كوينزلاند للأبحاث الطبية في أستراليا، إن دراسته تكشف عن الجانب البيولوجي الذي كان يشتبه فيه العلماء منذ العصور القديمة: الاكتئاب يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جسدية فعلية لدى بعض الأشخاص.
وأضاف موزلي: “لذلك يتوقف المصابون عن الأكل، ويعانون من صعوبة في النوم، ويشعرون وكأنهم يسيرون ببطء على الخرسانة. تصبح أفكارهم أبطأ بشكل ملحوظ، وغالباً ما يصابون بمرض شديد”.
في الدراسة، عرض الباحثون مقطعي فيديو لـ 70 شخصاً مصاباً بالاكتئاب، 30 منهم يعانون من الكآبة و40 لا يعانون من أي شكل من الاكتئاب.
تضمن الفيديو الأول مشاهد مضحكة من أفلام وثائقية عن الطبيعة، بينما عرض الفيديو الثاني قصة مؤثرة عن فرقة سيرك ملهمة في فترة الكساد الأمريكي.
تم تسجيل نشاط الدماغ وحركات الوجه للمشاركين أثناء مشاهدة الفيديوهات باستخدام آلات تتبع الوجه وكذلك ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي.
أظهرت نتائج تتبع الوجه أن عضلات وجه المصابين بالكآبة لم تتحرك، بغض النظر عن نوع المحتوى الذي شاهدوه. لم يضحكوا أو يتجهموا أو يعبسوا، بل حافظت وجوههم على تعبير متجمد طوال فترة الاختبار.
على النقيض من ذلك، ظل المصابون بالاكتئاب العادي يضحكون ويبتسمون أثناء مشاهدة الفيديوهات.
التشخيص المبكر والعلاج
وأشار موزلي إلى أن نشر الوعي حول هذا العجز العاطفي قد يساعد الأطباء في التمييز بين الاكتئاب العادي والكآبة في مرحلة مبكرة. بينما يُعد الاكتئاب الكآبي حالة أكثر حدة، إلا أنها لا تزال قابلة للعلاج.
وأوضح موزلي أن هؤلاء المرضى قد لا يستجيبون جيداً للعلاج بالكلام التقليدي، مما يجعل التشخيص المبكر ضرورياً لوضع خطة علاج ملائمة لهم.