كشف العلم ان ريشة الفنان و قلم الكاتب أحيانا بأنه دقيق و فعّال و أنّ الذاكرة غالبا ما تم نقلها بدقة كبيرة من قبل الرسامين و الروائيين
فاللحظات التي نعيشها في الماضي هي حجر الأساس للتطوّر في المستقبل
حنين لهذه الأيام ، ذكريات الماضي هي قلب السيرة الذاتية الكلاسيكية ،حكايات بعيدة نتحدّث عنها بعاطفة كبيرة
الخوض مرة اخرى في ماضي الأديبة و الفنانة التشكيلية سناء هيشري حيث تعود بالزمن و تستعيد نفسها في وقت مضي و لكنه لا يزال بالنسبة لها مهمًا للغاية لتروي اجمل صورة لمشهد عاشته و الذي اخذ مكان كبير في مخزون ذكرياتها
لتُبدع و ترسم لوحة فنية تعكس تلك الذكري الخالدة
تقول سناء:
” الذي ينشأ حياتنا ليس الوقت الذي مضي، بل اللحظات التي نحتفظ بها”
الاحتفاظ بذاكرتي و العثور عليها مرة اخري و إيقاظها لإثارة خيالي و الغوص في الرسم امر مهمّ جدّا في مسيرتي الفنية
إقامتي بدبي لم تمنعني من زيارة السبعة إمارات ،
هذه المرة أوقظ ذاكرتي و أُحرّك خيالي لأبدع في رسم واحة العين التراثية التابعة لإمارة ابوظبي ،
و التي قد زرتها العديد من المرّات ، و بالرغم من زياراتي المتعددة لمدينة العين و اعجابي بجمالها ، الا اني لم التفت اليها بألواني و ريشتي و لم أُدرك جمال رسمها بمجرّد النظر اليها من اللحظة الاولي
الي ان دخلت في تجربة فنية ضمن دراستي البحثية للحضارة و التراث العربي لِاكتشف ان مدينة العين تراثية لها حضارة عريقة و موقعة من قبل اليونسكو
كان سؤال مهم يدور في ذهني :
هل شجرة النخلة وُجدت منذ بداية الحياة في ابوظبي ؟ ام ابوظبي هو الذي جلبها ؟
من خلال مشروعي الفني و الواني و رسالتي استطعت البحث و الخوض في عالم النخلة العجيب
و الحقيقة يعرفها جميعنا ان النخلة مولود الصحراء و تاريخها في ابوظبي قديم قدم الحضارات الاولي و قد عرفت الامارات العربية هذه الشجرة المباركة منذ آلاف السنين
تلك البطلة المقدسة ، الرشيقة ، رمز الخير و الخصب ، النخلة الاماراتية التي هي موروث ثقافي و حضاري و تراثي تحوّلت اليوم إلي رمز انساني عالمي للوحدة و التضامن لِيقع تسجيلها في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونسكو ، اعترافا بمكانتها المميزة
كانت فرصة و فخر و اعتزاز لي في رسم اجمل ما خلق الله
أرسم الأصالة و التراث ،و الهوية الوطنية و المفتاح الذي يفتح الحاضر علي الماضي أرسم شجرة الجنّة التي اعتمدها الاماراتيين لكسب رزقهم و تمكنوا من خلالها من تحدّي ظروف الحياة الصعبة باستعمال سبعة الوان من درجات اللون البني لأضعها في مكانة تليق بجمالها و اناقتها و فخامتها
تلك الواحة الغناء التي عشقتها جعلت منها مشروعا و قصة و بحثا و تأمّلا و الوان و ابداع
فدخلت في تفاصيلها لأستخرج
جمال هذا المكان التراثي الرائع الذي حباه الله سبحانه بأجمل المناظر الخلابة
حيث تفنّنت في رسم النخل تلك الاشجار المباركة التي اعدتُ صياغتها بطريقتي الخاصة و التي تتمثل في الدمج و المزج بين الالوان و النحت كما وظفت خامات
باستعمال عدة تقنيات لعلّ ابرزها الفريسكو الحقيقية مع الالوان الزيتية بعد خلطها بمعاجين مختلفة و المعادن بأنواعها
كما وظفت تقنية احادي اللون الذي يُعطي شُعورا بالصورة الظلية المتناغمة و الراقية و التي تعكس واقع الحضارة العربية و الانسانية التي تركها الاجداد علي آرض الامارات آثارا و تراث تعكس قوّتهم
و مساهمتهم في بناء الحضارة الانسانية من حصون و قلاع و مدافن اثرية
هذه الواحة التي تفننت في رسمها قد ساهمت في التطور العمراني
في إمارة ابو ظبي و الذي يعود الى بداية العصر الحجري
و قد شكلت منذ القديم ست واحات بمدينة العين أرضا خصبة لزراعة الخيرات و اثرا تاريخيا و نموذجا هندسيا يؤرخ لقوّة و مهارة “إنسان الصحراء” و منجم للآثار يحفل بالاكتشافات ،
واحات تاريخية لاشجار النخيل و التي تشكل جزءا من التراث الزراعي للدولة
أيقونة خضراء تزين قلب المدينة
كما تعدّ هذه الواحات موطنًا لأنظمة الري القديمة التي تسمي بالأفلاج مما يشهد علي براعة الشعب الاماراتي الزراعية و التكنولوجية في ظل الظروف البيئية الصعبة
تعد واحة العين أكبر واحات المدينة، وأُدرجت على لائحة قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2011، جمعت بين الآثار التاريخية و التراث الحي المتمثل في واحاتها
و تضم هذه الواحة أكبر عدد من المباني التاريخية و الاثرية هي عبارة عن اعمال فنية بُنيت من الطوب الطيني جميلة و فريدة من نوعها ،
طبيعة متفردة تتميّز بها واحات العين في تكوينها الذي ادي الي ازدهارها منذ ألاف السنين
الي جانب القيمة التاريخية التي تميزت بها هذه الواحات فقد شكلت كذلك قيمة كبيرة من الناحية
الحضارية و الثقافية للمنطقة ،
فهي عبارة عن مكتبة معلومات للذاكرة التاريخية
يلتقي فيه الماضي و الحاضر و للمستقبل
مثال حي عن موروث ثقافي للامارات العربية و عاداتهم و تقاليدهم و طريقة عيشهم التقليدية و فنونهم في بناء البيوت و الحصون
مجتمع متكامل هدفه في الحياة البناء و النماء