شعور بالدهشة والحيرة والإعجاب.. أحاسيس مختلفة ستُراودك بمجرد أن تطأ قدميك الصحراء الكبرى بالقرب من مدينة الجونة المصرية، أسئلة كثيرة ستصل إلى ذهنك بمجرد أن تصل إلى هذا المكان، هل هو موقع هبوط كائنات فضائية؟ أم هو معلم قديم بُني في الماضي؟ ومن خلال السطور التالية سنكشف لك قصة هذه الأشكال التي تغطي مساحة قدرها 100 ألف متر مربع من الصحراء.
بدأت القصة في عام 1995، حينما قرّرت الفنانة داناي ستراتو الانضمام إلى المصممة الصناعية ألكساندرا ستراتو، والمهندسة ستيلا كونستانتينيديس، لتكوين فريق فنيّ يُدعى “D.A.ST. Arteam”.الذي يتكون من نساء نشأن في العاصمة اليونانية أثينا، وقاموا بتنفيذ عملًا فنيًا يخطف الأنفاس في الصحراء الكبرى بالقرب من مدينة الجونة المصرية.
“نَفَس الصحراء”
ويعُرف هذا العمل الفني الرائع بـ “نَفَس الصحراء” (Desert Breath) وتم الانتهاء منه في 7 مارس عام 1997، وهو عبارة عن دوامة تتكون من تقعرات ونتوءات بارزة مخروطية الشكل.
وفي السياق ذاته؛ أكدت المصممة ألكساندرا ستراتو، فيحديثها مع موقع CNN بالعربية، أن هذا العمل الفني الأرضيّ تجذّر من رغبة أفراد الفريق في العمل في الصحراء، فقالت: “كانت الصحراء مكاناً يختبر فيه المرء اللانهاية”، وكان الشكل المخروطي والتكوين الطبيعي للرمال مادة مهمة لانطلاق هذا المشروع.
وتابعت ستراتو، إنه خلال العمل على هذا المشروع قام الفريق بإزاحة 8 آلاف متر مكعب من الرمال لتكوين أشكال مخروطية ممتلئة وفارغة تُكوّن خطّين لولبيين يبتعدان عن مركز مشترك بينهما، ويتوسطه وعاء من الماء قطره 30 مترًا ولكنه تبخر مع مرور الزمن، واستغرق العمل على هذا المشروع 9 أشهر.
ويمكن النظر إلى هذا المشروع من وجهتي نظر مختلفتين، هما من الأعلى، ومن الأرض، أي عن طريق المشي في المسار الحلزوني، ومن بعض النواحي، ووصفت “ستراتو” هذا المشروع بأنه يتمتع بخصائص “نَبَوية” نوعًا ما، ويكمن ذلك في الطريقة التي توقع بها العمل النظرة الجديدة للعالم والتي نشأت بفضل برنامج “Google Earth” الخرائطي، وطائرات “درون” بدون طيّار، ما يسمح برؤية العمل من الأعلى، وهو أمر لم يتوقعه الفريق سابقاً.
وأوضحت ستراتو،أن العمل يُعبّر أيضًا القضايا المعاصرة، وذلك عن طريق تفاعله مع التغير المناخي، وعلى الرغم من أن العديد من الفنانين يبتكرون مختلف الأعمال بهدف أن تصبح خالدة، إلا أن هذا ليس الهدف من “نَفَس الصحراء”، قائلةً: “كان هدفنا أن تعكس الظروف الطبيعية مرور الوقت على العمل”.
ولا يزال الفريق يحرص على زيارة العمل الفني الذي تركوه خلفهم في مصر بشكل منتظم، إذ أنهم تفقدوه في 1998 بعد عام من إكماله، ثم مجددًا في أعوام 2005، و2011، و2014، وفي البداية توقع الفريق أن تُشكّل الرياح العامل الرئيسي لتغيّر “نَفَس الصحراء”، خاصةً أنه يقع في واحدة من أكثر المناطق تعرضًا للرياح في العالم، وكان الأمر بالفعل كذلك في السنوات الأولى، إلا أنه مع تغير المناخ تدريجيًّا خلال العقدين الماضيين، أصبح المطر، الذي كان نادرًا في المنطقة، العامل الرئيسي لتغير مظهر عملهنّ الصحراوي.
وواجه الفريق بعض الصعوبات خلال العمل على هذا المشروع، منها أنه لم يتم الانتهاء من العمل في نوفمبر/تشرين الثاني بعام 1996، والذي كان التاريخ الأصلي لاكتماله، بسبب حدوث فيضان لم يسبق له مثيل في المنطقة.
ويمكنك النظر إلى هذا العمل باستخدام خرائط “Google”، وذلك عبر إدخال هذه الإحداثيات التالية: “27°22’54.59″N, 33°37’48.46″E”.