إذا كنتم من متابعي الأخبار، فمن المؤكد أنه تناهى إلى سمعكم أن إرضاع الطفل لمدة أطول، يرتبط مع زيادة معدل ذكائه ونجاحه في المستقبل، وربما أصبح موضوع الرضاعة الطبيعية والذكاء، متلازمتين يقتنع معظم الأفراد بصحتهما بناء على ما أثبته العلم، ولكن قبل أن نتعجل بإطلاق أحكامنا على تلازم الإرضاع الطبيعي مع الذكاء بهدف خلق جيل مستقبلي من العباقرة، دعونا نستعرض البحوث العلمية حول هذا الموضوع.
الإيجابيات
لكي نكون منصفين، البحث بحد ذاته مثير للإعجاب، حيث تم تصميم هذه الدراسة بشكل جيد، وحاولت –قدر الإمكان- أن تأخذ بعين الاعتبار العوامل المتغيرة والملتبسة القادرة على تشويه النتائج، فعندما يتعلق الأمر بالفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية، هناك العديد من العوامل الإشكالية المحتملة، وهذا يعني العوامل والأحداث التي لم يتم قياسها ولكنها يمكن أن تسبب ذات نتائج البحث، إلا أن الباحثين وفي محاولة مثيرة للإعجاب، حاولوا إخراج هذه العوامل، ووصلوا إلى نتيجة تقول أن النمط الملاحظ يشير أن الأطفال الذين رضعوا بشكل طبيعي، سجلوا نتائج أفضل في اختبارات الذكاء، وجمعوا أموال أكثر، وهذا قد يكون عائد لطبيعة تكوين حليب الثدي.
هناك بعض الأدلة التي تبين أن حليب الثدي هو أكثر غنى بالأحماض الدهنية المشبعة ذات السلسلة الطويلة، وهي جزء هام جداً من تطور الدماغ، وهناك ملاحظة غريبة تشير أن طوال القامة هم أكثر ذكاء وسطياً، مما يشير إلى وجود صلة بين الموارد التنموية ونمو الدماغ.
لكن قبل القفز مباشرة إلى النتيجة للقول بأن الرضاعة الطبيعية تجعل الطفل أذكى، لا يزال هناك العديد من القضايا التي تحتاج إلى النظر فيها.
متغيرات كثيرة جداً
الدراسة تؤكد بشكل دائم على “الفوائد الصحية” للرضاعة الطبيعية، ولكن هذه الفوائد ترتبط بشكل أكثر انتظاماً مع الطبقة الاجتماعية ومقدار الدخل، والتي يمكن أن تفسر الفوائد الصحية، وتفسر السبب الذي تنخفض فيه فوائد الرضاعة الطبيعية فجأة بمجرد تخفيض تأثير الطبقة الاجتماعية، حيث أجريت هذه الدراسة في البرازيل، وهناك على ما يبدو لا يوجد ارتباط بين الطبقة الاجتماعية والميل إلى الإرضاع الطبيعي (على عكس البلدان المتقدمة)، ولكن حتى هذا الاختلاف لا يجعل الأمور بهذه البساطة، لأن البرازيل والمملكة المتحدة تختلفان اختلافاً جذرياً، سواء في الثقافة أو بالاقتصاد، لذلك ينبغي تناول المقارنات والمقاربات عند تطبيق النتائج من بلد على آخر بشكل حذر جداً.
الحقيقة الأخرى التي يمكن استنتاجها من الدراسة هي الوقت بين الرضاعة الطبيعية وتقييم الذكاء أو الثروة، حيث يبلغ هذا الفاصل الزمني ثلاثين عاماً، ثلاثة عقود بأكملها هو وقت أكثر من كافي لحدوث أمور تؤثر على مكانة الفرد في المجتمع، ومن الواضح أن هذا هو بيت القصيد من الدراسة، معرفة ما إذا كانت آثار الرضاعة الطبيعية تدوم على المدى الطويل، وإذا كان الشيء الوحيد الذي يربط جميع هذه النجاحات هو أن أصحابها كانوا يرضعون بشكل طبيعي، ولكن خلال هذه الفترة الزمنية يمكن للكثير من الأشياء الأخرى أن تسبب ذات النمط الذي اكتشفته الدراسة، ومن الغريب أن نفترض أن دراسة بهذا الحجم الهائل استطاعت استبعاد كل بديل ممكن قادر على تحقيق ذات النتائج لدى جميع العينات، وهذا بالضبط هو الجانب السلبي للدراسات الطويلة الأمد والتي تستخدم مجموعات كبيرة من البشر، كونها تتضمن تعقيدات وتداخلات كبيرة على مدة زمنية طويلة قادرة على إفساد نتائج الدارسة.
فحص نسبة الذكاء، هل هو صحيح أساساً ؟
على الرغم من أن العديد من العناوين تناولت بحث هذا الجانب، إلا أن الدراسة والتقارير التابعة لها لا تركز بشكل دقيق على كيفية تحديد نسبة الذكاء، حيث أشارت بشكل سريع إلى أنها استخدمت مقياس ويشلر لذكاء البالغين لتحديد معدل الذكاء.
إن هذه الإشارة السريعة قد تكون منطقية وسليمة، ولكنها بذات الوقت تغفل الجدل المعقد الدائر حول صلاحية اختبارات الذكاء ودراسات الذكاء بشكل عام، حيث تفيد التقارير أن اختبارات الذكاء تدل بشكل أفضل على الخلفية الاجتماعية والثقة بالنفس والتحيزات الثقافية ..الخ، أما قياس الذكاء عبر هذه الاختبارات فهي قضية إشكالية معقدة، حتى أن موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية لم تعد تعطي لقب “أكثر الأشخاص ذكاء” منذ عام 1990 نتيجة لهذا الجدل، كون الذكاء هو شيء يصعب قياسه بدقة، ودائماً ما يتم التشكيك بالمؤشرات التي تقيسها والنتائج التي تظهرها اختبارات الذكاء، وبالتالي فإن الإدعاء بأن الرضاعة الطبيعية ترتبط مع زيادة نسبة الذكاء ربما يكون من الأمور المبالغ بها.
المصدر نقطة علمية