بقلم: اللواء أحمد خلفان المنصوري
تابع العالم أجمع مأساة السفينة الجانحة، التي وحدت العالم خلف هدف واحد فقط، وهو إخراجها من تلك الورطة.
حتى الآن لا يعرف أحد من قبطان السفينة وحتى الآن لم تتم معرفة السبب الحقيقي وراء جنوح السفينة ولكن التضامن الدولي مع تلك الواقعة كان مشهوداً، والمتابعة كانت بالملايين يوماً بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة. وبالفعل كان حدثاً عالمياً.
إن كان هناك من دروس أو عبر نستخلصها من جنوح السفينة، فمن الإنصاف أن نشيد بالجهود المبذولة من قبل إخواننا في جمهورية مصر العربية، والتي من خلالها تعاملت الحكومة المصرية بحكمة بالغة، في ظل تلك الظروف الحرجة التي أثرت في إمدادات العالم من وقود وبضائع ومواد غذائية وأدوية.
ولا شك في أن تآزر الجميع وتكاتفهم ساهم في إنجاح الجهود لتخليص السفينة من كبوتها الفجائية.
مما حدث يجب على الجميع أن يستوعبوا أنه مهما بعدت المسافات بين الشعوب والدول، إلا أن الحاجة لمد الجسور والتعاون في ما بيننا تعد من الضروريات بل من الحتميات المطلقة. وأوضحت تلك الكارثة كم هو صغير هذا العالم على كبر مساحته، فمجرد عائق بسيط في منتصف العالم كاد يؤدي لعواقب وخيمة ومكلفة تضر تقريباً بكل قارات العالم.
مجرد جنوح بسيط يمكن أن يسبب كل ذلك القلق والانزعاج، فكيف الحال لو تكرر الأمر في مناطق أخرى من العالم، ربما ليس بالكيفية نفسها بل بالأثر نفسه، أو بالأحرى بالتأثيرات نفسها.
فالحروب والصراعات تعد كذلك (جنوحاً).. الخلافات والتوترات حتى داخل البلد الواحد تعد كذلك (جنوحاً).. الوفيات المتكررة نتيجة للأوضاع الإنسانية وانعدام الأمن والأمان والفقر والخوف وضبابية المستقبل بالنسبة للشعوب، كلها هذا ولا شك (جنوح مطلق).
العالم بحاجة ماسة لإعادة النظر في ما يدور حوله في عدة مناطق من العالم. ليس من الصائب أن نخفي رؤوسنا في الرمال، أو أن نغض الطرف عن أي نزاع قائم في العالم مهما كان شكل ذلك الخلاف أو النزاع، على اعتبار أنه بعيد عنا، أو أنه لا يؤثر فينا.
في الواقع كل ما يدور على كوكب الأرض يؤثر إما سلباً وإما إيجاباً في العالم أجمع، البعض قد لا يشعر بذلك على المدى القصير، ولكن حتماً الكل متضرر فيما لو استمرت النظرة السلبية تجاه ما يدور من حولنا في قارات العالم بالإجمال.
الحمد لله بعد نجاح عملية إنقاذ السفينة الجانحة، تنفس العالم الصعداء، ولكن هل انتهت هذه المأساة فعلاً؟
للأسف كلا! لأنه من هذه اللحظة ستبدأ عملية (جنوح) من نوع آخر، فشركات التأمين والموردون والمشترون والتجار والمستهلكون، كلهم يستعدون من الآن لخوض نزاعات قانونية (قد تطول سنوات) لمحاولة تعويض الخسائر الناجمة عن حادثة الجنوح والتي وإن كانت حادثاً عرضياً غير مقصود سواء كان خطأ بشرياً أو كان بسبب ظروف الطقس، إلا أن تأثير تلك الحادثة سيستمر وسيتضاعف، ما لم يتفق المعنيون على أن يتكاتفوا ويتعاونوا للخروج بحلول وسط ومنصفة للجميع، فحادثة السفينة تضرر منها الجميع.
والدرس الأهم من كارثة الجنوح هذه، أن العالم يجب أن يعتمد مقاربة جديدة للحيلولة دون نشوء نزاعات جديدة لأي سبب كان، وفي أي بقعة من العالم، لأن هذه الأرض نملكها جميعاً ونتشارك كلنا في مسؤولياتنا نحوها.
فهل سنستفيد من درس الجنوح؟