خيّبت المفاوضات الأخيرة التي أجريت بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) الآمال المعلقة على أن تمثل تلك المفاوضات انفراجة في أزمة معقدة تُهدد بسيناريوهات كارثية؛ ذلك بعد أن أعلنت كل من مصر والسودان تعليق المفاوضات لحين إجراء مشاورات داخلية، بعد أن تقدمت أديس أبابا بمسودة لا تتضمن أي عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق.
ومن جانبها، أكدت وزارة الري المصرية، في بيان إنه قبل موعد عقد الاجتماع قدم وزير المياه الإثيوبي خطاباً لنظرائه في كل من مصر والسودان مرفقاً به مسودة خطوط إرشادية وقواعد ملء سد النهضة، لا تتضمن أي قواعد للتشغيل ولا أي عناصر تعكس الإلزامية القانونية للاتفاق، فضلاً عن عدم وجود آلية قانونية لفض النزاعات.
وأشارت مصر، إلى أن “الخطاب الإثيوبي جاء خلافاً لما تم التوافق عليه في الاجتماع السابق، والذي خلص إلى ضرورة التركيز على حل النقاط الخلافية.. الطرح الإثيوبي يخالف ما تم الاتفاق عليه خلال قمة هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي في 21 يوليو الماضي وكذلك نتائج اجتماع وزراء المياه أول من أمس”.
ووصف مراقبون ذلك الأمر بكونه يأتي في إطار “مزيد من التعنت الإثيوبي”، واعتبر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، د. عباس شراقي، أن أديس أبابا تستمر في استفزاز مصر والسودان، حيث عرض وزير المياه الإثيوبي اقتراحات مختلفة عن ما تم الاتفاق على مناقشته قبل لقاء الخبراء والقانونيين، ولم يذكر ذلك في الاجتماع السابق، مشيراً إلى أن القاهرة والخرطوم شعرتا بالمراوغة الإثيوبية، فطلبتا تعليق المفاوضات من أجل التشاور، وقد طلبت السودان الأسبوع الماضي تأجيل المفاوضات أسبوعاً للتشاور أيضاً.
وأكد الخبير المختص، أن «إثيوبيا فشلت في الملء الأولي الذي يعني تشغيل توربينين في مرحلة متأخرة كان مقرراً لها صيف 2015، الملء الأولي لن يشعر به المواطن الإثيوبي لعدم توليد كهرباء في الوقت الحالي أو في القريب العاجل، ما يدفع المسؤولين في إثيوبيا لتوجيه أنظار الشعب إلى أن الخلافات لا تزال مستمرة وأنها ربما تكون السبب في تأخير توليد الكهرباء».
قد يدفعنا هذا الموقف – وفق شراقي – إلى “التركيز على مجلس الأمن وعدم الاعتماد على الاتحاد الأفريقي الذي ليس له تأثير في هذه المفاوضات سوى تحديد جدول اللقاءات، كما أنه لم يعط الفرصة للمراقبين أن يكون لهم دور فعّال في تقريب وجهات النظر، كما فعلت الولايات المتحدة والبنك الدولي من قبل مما أدى إلى انسحاب إثيوبيا وتغيبها عن توقيع الاتفاق المقترح نهاية فبرابر الماضي في واشنطن”.
بينما يرى وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن إثيوبيا غير جادة على الإطلاق في التوصل إلى اتفاقية تقيد مخططاتها، كما جاء على لسان مسؤوليها، مشدداً على أن الهدف الإثيوبي الحقيقي من سد النهضة هو الهيمنة الكاملة على مياه النيل الأزرق، ولذلك فإنّ الفشل هو الاحتمال الأغلب لنهاية هذه المفاوضات طالت أو قصرت، نتيجة لاختلافات فنية أو قانونية أو كلاهما، بل وقد يستجد غيرها من خلافات إثيوبية مصطنعة.
وفي سياق متصل، أشاد في بيان له نشره عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، بالموقف السوداني، وقال: “حدث تطور وطني وإداري مذهل لأداء السودان في مفاوضات سد النهضة.. من الواضح أن هناك استراتيجية وطنية بأهداف واضحة، وهناك خطة تنفيذية محبوكة، والنتيجة سرعة واستقلالية في اتخاذ القرار الوطني ودقة في التنفيذ والتوقيت المناسب”.