محمد سعيد القبيسي – صحيفة الخليج
تزداد الدعوات في المرحلة الراهنة إلى العمل من المنزل، تماشياً مع مبدأ «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، حيث تشجع كبرى المؤسسات العالمية موظفيها على العمل من منازلهم، وخصوصاً في المدن التي تواجه تفشياً سريعاً للفيروس الجديد.
ويتوقع الكثير من الخبراء حدوث تغيُّر دائم في أنظمة العمل العالمية، والالتفات إلى مزايا العمل عن بعد في كثير من الوظائف التي تسمح طبيعتها بتطبيق هذه المنهجية حتى بعد انقضاء الجائحة، حيث إن لهذه المنهجية مزايا عديدة مميزة لا تتوفر في الوظائف الاعتيادية.
إن من أهم مزايا العمل عن بعد هو زيادة إنتاجية الموظفين نظراً لحصولهم على حرية أكبر في انتقاء الوقت المناسب للعمل، كما أنك حين تشتري من الموظف وقته، بمعنى أنك تدفع له مقابل الوقت الذي يقضيه في مقر العمل، فسيقدم لك بقدر الأجر الذي تعطيه، لكن هذا لا يعني أنه سيعمل بأقصى طاقته خلال ساعات الدوام.
أما إذا أخبرته بأن بوسعه أخذ بقية الأسبوع عطلة بعد انتهائه من المهام المنوطة به لذاك الأسبوع، فالأرجح أنك ستتفاجأ أنه قد ينجز في 3 أيام ما كان ينجزه في 6 أيام، لأنك ببساطة استعضت عن معادلة العمل القائمة على شراء وقت الموظف، بشراء إنتاجيته، وهذه هي المعادلة التي يقوم عليها العمل عن بعد.
يضاف إلى ذلك العديد من المزايا الأخرى مثل تشجيع أصحاب العمل على توظيف العاطلين عن العمل وتوفير فرص عمل لذوي الهمم الذين تمنعهم ظروفهم الجسدية من التنقل من وإلى مقر العمل، فضلاً عن توفير الكثير من التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي تدفعها الشركة والموظف نفسه.
كما أن التوظيف عن بعد صحي أكثر من الناحية النفسية والجسدية، حيث أشارت دراسة شملت أكثر من 19 ألف موظف في تسع شركات أن الإرهاق والتوتر كانا أقل عند العاملين عن بعد، كما أن العمل عن بعد يرفع معنويات الموظفين الذين يصرح كثير منهم بأنهم يكرهون الذهاب إلى العمل لأنهم مضطرون للتفاعل مع زملاء لا يحبونهم ولا يرتاحون بالتواجد قربهم.
وعليه، فإن هذه الأزمة التي نمرُّ بها فتحت أمامنا آفاقاً جديدة لتبني سياسات اقتصادية ومنهجية عمل من شأنها تحسين إنتاجية الموظفين وإرضاء أصحاب العمل والعاملين في الوقت ذاته، ما يعود بالفائدة على جميع الأطراف. يقول المثل الشهير: «الحاجة أمُّ الاختراع»، أما التاريخ الذي يُعيد نفسه فيخبرنا بأن الأزمات رغم مرارتها تفتح أمام الإنسان آفاقاً وحلولاً جديدة لحياة أفضل.