في مستهل دراسته «مدن وروايات من الجزيرة العربية والخليج»، يشير سعد البازعي إلى خماسية عبدالرحمن منيف «مدن الملح».
ومع أن منيف توزع بين بلاد الشام والعراق حيث ولد وعاش، والجزيرة العربية التي ولد فيها والده وإليها ينتسب، فإن «رصده السردي التاريخي للمنطقة يجعله شديد الصلة بالمدينة في الجزيرة العربية والخليج»، ومن جوانب أهمية «مدن الملح» تناولها لمخاض تحوّل المنطقة من مرحلة ما قبل اكتشاف النفط إلى ما بعده، وهو التحوّل الحاسم الذي عنى الكثير، وساهم بمقادير كبيرة في تشكّل صورة المدينة الخليجية الراهنة.
المدينة تحضر في الرواية الخليجية ك «نوستالجيا» أيضاً، يقول الدكتور البازعي، ويعطي مثلاً بحضور مدينة الرياض في أعمال روائية سعودية، كأعمال أميمة الخميس، وعبدالله بن بخيت، وبدرية البشر، واختار الباحث الرياض كمثال فقط، حيث نعلم أن مدناً سعودية أخرى، بينها مكّة، حضرت في أعمال روائية، حتى أن رواية الأديبة رجاء عالم الأخيرة «باهبل» حملت عنواناً شارحاً هو «مكّة Multiverese 1945 – 2009». ولو وسعنا دائرة النظر فرأينا الأفق الخليجي الأشمل، لوجدنا أن المدينة كذاكرة تحضر في أعمال روائيين وروائيات من بلدان المنطقة، بما في ذلك أعمال روائيين من الجيل الجديد، ومن ذلك حضور مدينتي الشارقة ودبي في روايتي «لعلّها مزحة» و«دائرة التوابل» لصالحة عبيد، وفي الرواية الأخيرة لريم الكمالي «روز»، وحضور مدينة مسقط في روايتي «الباغ» و«دلشاد» للروائية بشرى خلفان، ونسوق هذه الأسماء والعناوين كأمثلة فقط.
ولوعدنا إلى البدايات الروائية في بلدان المنطقة لوجدنا، يومها، ميلاً لتناول وتصوير المرحلة السابقة لاكتشاف النفط، حيث عوالم الغوص والهجرات بحثاً عن الرزق، وقد يكون السبب في ما ذكره الدكتور البازعي، وأشرنا إليه أمس، هو في «القرب الزمني لعملية التمدّن نفسها»، من زاوية أن عملية التحديث قريبة عهد تاريخياً إذا ما قيست بنظيراتها في بلدان عربية أخرى، أي أن المدينة لم تتشكل كذاكرة في الأعمال الروائية الخليجية الأخرى، دون أن ينفي ذلك أن بعض أوائل الروائيين انعطفوا، في أعمال تالية لهم، نحو المرحلة التالية، بينهم الأديب البحريني الراحل عبدالله علي خليفة، ويمكن أن نعطي مثالاً بروايته «ساعة ظهور الأرواح»، التي تناول فيها «حي العدامة»، الذي لم يعد موجوداً، وكان حياً فقيراً مهمشاً في أطراف المنامة.
الروائي البحريني الراحل فريد رمضان جعل من المدينة فضاء لبعض رواياته أيضاً، ومن بينها رواية «التنور» التي نقرأ في ثناياها وصفاً أخاذاً لشارع باب البحرين، الذي يشكل مدخل العاصمة، وكان الميناء المحاذي له يستقبل السفن والمراكب القادمة من إيران والهند والبصرة ومسقط.